البركعة : القيام على أربع ، يقال : بركعه فتبركع ، أي : صرعه فوقع على استه ، كذا في الصحاح. وبناء فعلة يدلّ على الكثرة ، ففيه دلالة على أن يفعل ذلك كثيرا ، وأنه قد صار ذلك عادة له ، ومثله ضحكة ولعنة. قرأ الجمهور (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) بضم أوّلهما وفتح الميم فيهما. وقرأ الباقر والأعرج بسكون الميم فيهما. وقرأ أبو وائل والنّخعي والأعمش «ويل للهمزة اللمزة» ، والآية تعمّ كلّ من كان متّصفا بذلك ، ولا ينافيه نزولها على سبب خاص ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) الموصول بدل من كلّ ، أو في محل نصب على الذمّ ، وهذا أرجح ؛ لأن البدل يستلزم أن يكون المبدل منه في حكم الطرح ، وإنما وصفه سبحانه بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب ، والعلّة في الهمز واللمز ، وهو إعجابه بما جمع من المال وظنه أنه الفضل ، فلأجل ذلك يستقصر غيره. قرأ الجمهور : (جَمَعَ) مخففا. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتشديد. وقرأ الجمهور : (وَعَدَّدَهُ) بالتشديد ، وقرأ الحسن الكلبي ونصر بن عاصم وأبو العالية بالتخفيف ، والتشديد في الكلمتين يدلّ على التكثير ، وهو جمع الشيء بعد الشيء ، وتعديده مرّة بعد أخرى. قال الفراء : معنى عدّده : أحصاه. وقال الزجاج : وعدّده لنوائب الدّهور. يقال أعددت الشيء وعددته : إذا أمسكته. قال السدّي : أحصى عدده. وقال الضحاك : أعدّ ماله لمن يرثه. وقيل المعنى : فاخر بكثرته وعدده ، والمقصود ذمه على جمع المال ، وإمساكه وعدم إنفاقه في سبيل الخير. وقيل : المعنى على قراءة التخفيف في عدّده ؛ أنه جمع عشيرته وأقاربه. قال المهدوي : من خفّف «وعدّده» فهو معطوف على المال ، أي : وجمع عدده ، وجملة (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) مستأنفة لتقرير ما قبلها ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال ، أي : يعمل عمل من يظنّ أن ماله يتركه حيا مخلدا لا يموت. وقال عكرمة : يحسب أن ماله يزيد في عمره ، والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ. وقيل : هو تعريض بالعمل الصالح ، وأنه الّذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية ، لا المال. وقوله : (كَلَّا) ردع له عن ذلك الحسبان ، أي : ليس الأمر على ما يحسبه هذا الّذي جمع المال وعدده ، واللام في (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) جواب قسم محذوف ، أي : ليطرحنّ في النّار وليلقينّ فيها. قرأ الجمهور : (لَيُنْبَذَنَ) وقرأ عليّ والحسن ومحمد بن كعب ونصر ابن عاصم ومجاهد وحميد وابن محيصن : «لينبذانّ» بالتثنية ، أي : لينبذ هو وماله في النار. وقرأ الحسن أيضا : «لينبذنّ» أي : لينبذنّ ماله في النار (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع ؛ حتى كأنها ليست مما تدركه العقول وتبلغه الأفهام. ثم بيّنها سبحانه فقال : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) أي : هي نار الله الموقدة بأمر الله سبحانه ، وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها وتفخيم ، وكذلك في وصفها بالإيقاد ، وسمّيت حطمة لأنها تحطم كل ما يلقى فيها وتهشمه ، ومنه :
إنّا حطمنا بالقضيب مصعبا |
|
يوم كسرنا أنفه ليغضبا |
قيل : هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم ، وقيل : الطبقة الثانية منها ، وقيل : الطبقة الرابعة (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي : يخلص حرّها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها ، وخصّ الأفئدة مع كونها تغشى جميع أبدانهم ؛ لأنها محلّ العقائد الزائغة ، أو لكون الألم إذا وصل إليها مات صاحبها ، أي : إنهم في حال من يموت