به عليهم ، أي : إن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لهذه النعمة الخاصة المذكورة ، والبيت : الكعبة. وعرّفهم سبحانه بأنه ربّ هذا البيت ؛ لأنها كانت لهم أوثان يعبدونها ، فميّز نفسه عنها. وقيل : لأنهم بالبيت تشرفوا على سائر العرب ، فذكر لهم ذلك تذكيرا لنعمته (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي : أطعمهم بسبب تينك الرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما ، وقيل : إن هذا الإطعام هو أنهم لما كذّبوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم ، فقال : اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، فاشتد القحط ، فقالوا : يا محمد ادع الله لنا فإنا مؤمنون ، فدعا ؛ فأخصبوا ، وزال عنهم الجوع ، وارتفع القحط (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أي : من خوف شديد كانوا فيه. قال ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض ، ويسبي بعضها بعضا ، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم. وقال الضحاك والربيع وشريك وسفيان : آمنهم من خوف الحبشة مع الفيل.
وقد أخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) ويحكم يا قريش ، اعبدوا ربّ هذا البيت الّذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) قال : نعمتي على قريش (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) كانوا يشتون بمكة ، ويصيفون بالطائف (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) قال : الكعبة (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قال : الجذام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ) قال : لزومهم (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) يعني قريشا أهل مكة بدعوة إبراهيم حيث قال : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) (١) ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) حيث قال إبراهيم (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (٢). وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا في قوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) الآية ، قال : نهاهم عن الرحلة وأمرهم أن يعبدوا ربّ هذا البيت ، وكفاهم المؤنة ، وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف ولم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف ، فأطعمهم الله بعد ذلك من جوع ، وآمنهم من خوف فألفوا الرحلة وكان ذلك من نعمة الله عليهم. وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الآية قال : أمروا أن يألفوا عبادة ربّ هذا البيت كإلفهم رحلة الشتاء والصيف ، وقد وردت أحاديث في فضل قريش وإن الناس تبع لهم في الخير والشرّ ، وإن هذا الأمر يعني الخلافة لا تزال فيهم ما بقي اثنان ، وهي في دواوين الإسلام.
* * *
__________________
(١). البقرة : ١٢٦.
(٢). إبراهيم : ٣٥.