سورة الكوثر
وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل ، ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت سورة الكوثر بمكة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))
قرأ الجمهور : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ) وقرأ الحسن وابن محيصن وطلحة والزعفراني «أنطيناك» بالنون. قيل : هي لغة العرب العاربة. قال الأعشى :
حباؤك خير حبا الملوك |
|
يصان الحلال وتنطى الحلولا |
و (الْكَوْثَرَ) فوعل من الكثرة ، وصف به للمبالغة في الكثرة ، مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر ، والعرب تسمي كلّ شيء كثير في العدد أو القدر أو الخطر كوثرا ، ومنه قول الشاعر (١) :
وقد ثار نقع الموت حتّى تكوثرا (٢)
فالمعنى على هذا : إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية. وذهب أكثر المفسرين كما حكاه الواحدي إلى أن الكوثر نهر في الجنة ، وقيل : هو حوض النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الموقف ، قاله عطاء. وقال عكرمة : الكوثر : النبوّة. وقال الحسن : هو القرآن. وقال الحسن بن الفضل : هو تفسير القرآن وتخفيف الشرائع. وقال أبو بكر بن عياش : هو كثرة الأصحاب والأمة. وقال ابن كيسان : هو الإيثار. وقيل : هو الإسلام ، وقيل : رفعة الذكر ، وقيل : نور القلب ، وقيل : الشفاعة ، وقيل : المعجزات ، وقيل : إجابة الدعوة ، وقيل : لا إله إلا الله ، وقيل : الفقه في الدين ، وقيل : الصلوات الخمس ، وسيأتي بيان ما هو الحق. (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد الأمر له صلىاللهعليهوسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة (وَانْحَرْ) البدن التي هي خيار أموال العرب. قال محمد بن كعب : إن ناسا كانوا يصلّون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن تكون صلاته ونحره له. وقال قتادة وعطاء وعكرمة : المراد صلاة العيد ، ونحر الأضحية. وقال سعيد بن جبير : صلّ لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع ، وانحر البدن
__________________
(١). هو حسان بن نشبة.
(٢). وصدر البيت : أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم.