هذه الآية تكذيب قولهم ، وهم إنما قالوا ذلك بلفظ يفيد النفي فيما مضى ، وردت الآية لدفع قولهم هذا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها ؛ لأنه سبحانه إذا كان متّصفا بالصفات المتقدمة كان متّصفا بكونه لم يكافئه أحد ، ولا يماثله ، ولا يشاركه في شيء ، وأخّر اسم كان لرعاية الفواصل ، وقوله : «له» متعلق بقوله : «كفوا» قدم عليه لرعاية الاهتمام ؛ لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته. وقيل : إنه في محل نصب على الحال ، والأوّل أولى. وقد ردّ المبرد على سيبويه بهذه الآية لأن سيبويه قال : إنه إذا تقدّم الظرف كان هو الخبر ، وهاهنا لم يجعل خبرا مع تقدّمه ، وقد ردّ على المبرد بوجهين : أحدهما : أن سيبويه لم يجعل ذلك حتما بل جوّزه. والثاني : أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر ، بل يجوز أن يكون خبرا ويكون كفوا منتصبا على الحال. وحكي في الكشاف عن سيبويه على أن الكلام العربيّ الفصيح أن يؤخر الظرف الّذي هو لغو غير مستقرّ ، واقتصر في هذه الحكاية على نقل أوّل كلام سيبويه ولم ينظر إلى آخره ، فإنه قال في آخر كلامه : والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربيّ جيد كثير ، انتهى. قرأ الجمهور : «كفوا» بضم الكاف والفاء وتسهيل الهمزة ، وقرأ الأعرج وسيبويه ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء ، وروي ذلك عن حمزة مع إبداله الهمزة واوا وصلا ووقفا ، وقرأ نافع في رواية عنه «كفأ» بكسر الكاف وفتح الفاء من غير مدّ ، وقرأ سليمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس كذلك مع المدّ ، وأنشد قول النابغة :
لا تقذفنّي بركن لا كفاء له
والكفء في لغة العرب النظير ، يقول : هذا كفؤك ، أي : نظيرك ، والاسم الكفاءة بالفتح.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والمحاملي في أماليه ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن بريدة ، لا أعلمه إلا رفعه. قال : (الصَّمَدُ) : الّذي لا جوف له ، ولا يصحّ رفع هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : (الصَّمَدُ) : الّذي لا جوف له ، وفي لفظ : ليس له أحشاء. وأخرج ابن أبي عاصم وابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن المنذر عنه قال : (الصَّمَدُ) : الّذي لا يطعم ، وهو المصمت. وقال : أو ما سمعت النائحة وهي تقول :
لقد بكّر النّاعي بخير بني أسد |
|
بعمرو بن مسعود وبالسّيّد الصّمد |
وكان لا يطعم عند القتال ، وقد روي عنه أن الّذي يصمد إليه في الحوائج ، وأنه أنشد البيت ، واستدلّ به على هذا المعنى ، وهو أظهر في المدح وأدخل في الشرف ، وليس لوصفه بأنه لا يطعم عند القتال كثير معنى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : (الصَّمَدُ) : السيد الّذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الّذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الّذي قد كمل في عظمته ، والحليم الّذي قد كمل في حلمه ، والغنيّ الّذي قد كمل في غناه ، والجبار الّذي قد كمل في جبروته ، والعالم الّذي قد كمل في علمه ، والحكيم الّذي قد كمل في حكمته ، وهو الّذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه هذه صفة لا تنبغي إلا