يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))
قوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) قرأ الجمهور : (اقْتَتَلُوا) باعتبار كل فرد من أفراد الطائفتين كقوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) (١) والضمير في قوله : (بَيْنَهُما) عائد إلى الطائفتين باعتبار اللفظ. وقرأ ابن أبي عبلة : «اقتتلتا» اعتبارا بلفظ طائفتان ، وقرأ زيد بن عليّ وعبيد بن عمير : «اقتتلا» وتذكير الفعل في هذه القراءة باعتبار الفريقين أو الرهطين. والبغي : التعدّي بغير حق والامتناع من الصلح الموافق للصواب ، والفيء : الرجوع. والمعنى : أنه إذا تقاتل فريقان من المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم ويدعوهم إلى حكم الله ، فإن حصل بعد ذلك التعدّي من إحدى الطائفتين على الأخرى ، ولم تقبل الصلح ، ولا دخلت فيه ، كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه ، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه ، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم ، ويتحرّوا الصواب المطابق لحكم الله ، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم ، وتؤدّي ما يجب عليها للأخرى. ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين فقال : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي : واعدلوا إن الله يحب العادلين ، ومحبته لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء. قال الحسن وقتادة والسدّي : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) بالدعاء إلى حكم كتاب الله ، والرضى بما فيه لهما وعليهما (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) وطلبت ما ليس لها ، ولم ترجع إلى الصلح (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) حتى ترجع إلى طاعة الله والصلح الّذي أمر الله به ، وجملة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) مستأنفة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالإصلاح ، والمعنى : أنهم راجعون إلى أصل واحد وهو الإيمان. قال الزجّاج : الدّين يجمعهم ، فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم ، فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب ؛ لأنّهم لآدم وحواء (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) يعني كل مسلمين تخاصما وتقاتلا ، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى. قرأ الجمهور : (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) على التثنية ، وقرأ زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين «إخوانكم» بالجمع ، وروي عن أبي عمرو ونصر بن عاصم وأبي العالية والجحدري ويعقوب أنهم قرءوا : «بين إخوتكم» بالفوقية على الجمع أيضا. قال أبو عليّ الفارسي في توجيه قراءة الجمهور : أراد بالأخوين الطائفتين ؛ لأن لفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة. وقال أبو عبيدة : أي : أصلحوا بين كلّ أخوين (وَاتَّقُوا اللهَ) في كل أموركم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
__________________
(١). الحج : ١٩.