إليكم هو ما يبدّل ، أي : وقد قدّمت إليكم هو ما يبدّل ، أي : وقد قدّمت إليكم هذا القول ملتبسا بالوعيد ، وهذا بعيد جدا (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي : لا أعذّبهم ظلما بغير جرم اجترموه ولا ذنب أذنبوه. ولما كان نفي الظّلّام لا يستلزم نفي مجرّد الظلم قيل : إنه هنا بمعنى الظالم كالثمّار بمعنى الثامر. وقيل : إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم. وقيل : صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد ، من قولهم : فلان ظالم لعبده وظلّام لعبيده ، وقيل : غير ذلك ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران وفي سورة الحج (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قرأ الجمهور (نَقُولُ) بالنون. وقرأ نافع وأبو بكر بالياء. وقرأ الحسن «أقول». وقرأ الأعمش : «يقال» والعامل في الظرف (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أو محذوف ، أي : اذكر ، أو أنذرهم ، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل ، ولا سؤال ولا جواب ، كذا قيل ، والأولى أنه على طريقة التحقيق ، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع. قال الواحدي : قال المفسرون : أراها الله تصديق قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) فلما امتلأت قال لها : (هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أي : قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ ، وبهذا قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان. وقيل : إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة ، أي : أنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها. وقيل : إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها ، والمزيد إما مصدر كالمجيد ، أو اسم مفعول كالمنيع ، فالأول بمعنى : هل من زيادة ، والثاني بمعنى : هل من شيء تزيدونيه. ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين فقال : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي : قرّبت للمتقين تقريبا غير بعيد أو مكان غير بعيد منهم ، بحيث يشاهدونها في الموقف ، وينظرون ما فيها مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ويجوز أن يكون انتصاب (غَيْرَ بَعِيدٍ) على الحال. وقيل : المعنى : أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب ، فصارت قريبة من قلوبهم ، والأوّل أولى. والإشارة بقوله : (هذا ما تُوعَدُونَ) إلى الجنة التي أزلفت لهم ، على معنى : هذا الّذي ترونه من فنون نعيمها ما توعدون ، والجملة بتقدير القول ، أي : يقال لهم هذا ما توعدون. قرأ الجمهور : (تُوعَدُونَ) بالفوقية. وقرأ ابن كثير بالتحتية. (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) هو بدل من (لِلْمُتَّقِينَ) بإعادة الخافض ، أو متعلق بقول محذوف هو حال ، أي : مقولا لهم لكل أواب ، والأواب : الرجّاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية ، وقيل : هو المسبح ، وقيل : هو الذاكر لله في الخلوة. قال الشعبي ومجاهد : هو الّذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وقال عبيد بن عمير : هو الّذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله فيه ، والحفيظ : هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها. وقال قتادة : هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته ، قاله مجاهد. وقيل : هو الحافظ لأمر الله. وقال الضحاك : هو الحافظ لوصية الله له بالقبول (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) الموصول في محل جرّ بدلا أو بيانا لكل أوّاب ، وقيل : يجوز أن يكون بدلا بعد بدل من المتقين ، وفيه نظر لأنه لا يتكرر البدل ، والمبدل منه واحد ، ويجوز أن يكون في محل رفع على الاستئناف ، والخبر «ادخلوها» بتقدير : يقال لهم : ادخلوها ، والخشية بالغيب أن يخاف الله ولم يكن رآه. وقال الضحاك والسدّي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد.