وقرأ ابن عباس والحسن وأبو العالية وأبو عمرو في رواية : نقبوا بفتح القاف مخففة ، والنقب : هو الخرق والطريق في الجبل وكذا المنقب والمنقبة ، كذا قال ابن السّكّيت ، وجمع النّقب نقوب. وقرأ السلمي ويحيى بن يعمر بكسر القاف مشدّدة على الأمر للتهديد ، أي : طوّفوا فيها وسيروا في جوانبها. وقرأ الباقون بفتح القاف مشدّدة على الماضي. (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أي : هل لهم من مهرب يهربون إليه ، أو مخلص يتخلصون به من العذاب. قال الزجاج : لم يروا محيصا من الموت ، والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا ، أي : عدل وحاد ، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم ، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرّا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) أي : فيما ذكر من قصتهم تذكرة وموعظة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي : عقل. قال الفراء : وهذا جائز في العربية ، تقول : ما لك قلب ، وما قلبك معك ، أي : ما لك عقل ، وما عقلك معك ، وقيل : المراد القلب نفسه ، لأنه إذا كان سليما أدرك الحقائق وتفكّر كما ينبغي. وقيل : لمن كان له حياة ونفس مميزة ، فعبّر عن ذلك بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها ، ومنه قول امرئ القيس :
أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي |
|
وأنّك مهما تأمري النّفس (١) تفعل |
(أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي : استمع ما يقال له ، يقال : ألق سمعك إليّ ، أي : استمع مني ، والمعنى : أنه ألقى السمع إلى ما يتلى عليه من الوحي الحاكي لما جرى على تلك الأمم. قرأ الجمهور : (أَلْقَى) مبنيا للفاعل. وقرأ السلمي وطلحة والسدّي على البناء للمفعول ورفع السمع (وَهُوَ شَهِيدٌ) أي : حاضر الفهم أو حاضر القلب ؛ لأن من لا يفهم في حكم الغائب وإن حضر بجسمه فهو لم يحضر بفهمه. قال الزجاج : أي : وقلبه حاضر فيما يسمع. قال سفيان : أي لا يكون حاضرا وقلبه غائب. قال مجاهد وقتادة : هذه الآية في أهل الكتاب ، وكذا قال الحسن. وقال محمد بن كعب وأبو صالح : إنها في أهل القرآن خاصة (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف وغيرها (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) اللغوب : التعب والإعياء ، تقول : لغب يلغب بالضم لغوبا. قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : إن اليهود قالوا : خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، أوّلها الأحد وآخرها الجمعة ، واستراح يوم السبت ، فكذّبهم الله تعالى بقوله : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ـ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) هذه تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأمر لهم بالصبر على ما يقوله المشركون ، أي : هوّن عليك ، ولا تحزن لقولهم وتلقّ ما يرد عليك منه بالصبر (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) أي : نزّه الله عمّا لا يليق بجنابه العالي متلبسا بحمده وقت الفجر ووقت العصر ، وقيل : المراد صلاة الفجر وصلاة العصر ، وقيل : الصلوات الخمس ، وقيل : صلّ ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها ، والأول أولى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) من للتبعيض : أي سبحه بعض الليل ، وقيل : هي صلاة الليل ، وقيل : ركعتا الفجر ، وقيل : صلاة العشاء ،
__________________
(١). وفي رواية : القلب.