النكاح ، وذكر الأجر بعد الاستمتاع ، والمهر إنما يجب في النكاح بالعقد : يؤخذ الزوج أولا بالمهر ثم يستمتع بها ؛ فهو بالمتعة والإجارة أشبه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الطلاق : ٦] أمر بإيتاء الأجرة إذا أرضعن فعلى ذلك : لما ذكر الاستمتاع بهن ، وأمر بإيتاء الأجر لا المهر ؛ دل أنها نزلت في المتعة.
وأمّا عندنا : فإنها نزلت في النكاح ؛ دليله ما تقدم من الذكر ، وهو قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) نكاحا ، وقوله : (مُحْصِنِينَ) : متناكحين ، (غَيْرَ مُسافِحِينَ) غير زانين.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) كل ذلك يدل أنه في النكاح ، فكذلك قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) في النكاح (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) وقد سمى الله المهر أجرا ؛ كقوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥] ، وقال : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [النساء : ٢٦]
وأما قولهم : ذكر إيتاء الأجر بعد الاستمتاع والمهر يجب بالنكاح ـ فهو على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَ) [الطلاق : ١] [أي : طلقوهن](١) ـ إذا طلقتم ـ لعدتهن ، ونحو ذلك كثير.
وقال أبو بكر الأصم : دل قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) فآتوهن مهورهن كملا ، وإذا لم يدخلوا بهن فالنصف بالآية الأخرى ؛ فهذا فائدة ذكر الأجور والاستمتاع ، وهو بالنكاح أشبه وأولى من المتعة (٢) ؛ لما ذكرنا من تحريم الأجناس من المحرمات في أولها وإباحتها
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أصل المتعة في اللغة : الانتفاع ، يقال : تمتعت بكذا ، واستمتعت ـ بمعنى ، والاسم المتعة. قال الجوهري : ومنه متعة النكاح ، ومتعة الطلاق ، ومتعة الحج ؛ لأنه انتفاع ، والمراد بالمتعة هنا أن يتزوج الرجل المرأة مدة من الزمن ، سواء أكانت المدة معلومة مثل أن يقول : زوجتك ابنتى مثلا شهرا ، أو مجهولة مثل أن يقول : زوجتك ابنتى إلى قدوم زيد الغائب ؛ فإذا انقضت المدة ـ فقد بطل حكم النكاح ؛ وإنما سمى النكاح لأجل بذلك ؛ لانتفاعها بما يعطيها ، وانتفاعه بقضاء شهوته ؛ فكان الغرض منها مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح.
وقد كانت المتعة منتشرة عند العرب في الجاهلية ، فكان الرجل يتزوج المرأة مدة ، ثم يتركها من غير أن يرى العرب في ذلك غضاضة ، فلما جاء الإسلام أقرهم على ذلك في أول الأمر ، ولم نعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم نهي عن المتعة إلا في غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة ؛ فقد روي عن على ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية» واستمر الأمر على ذلك ، حتى فتح مكة ؛ حيث ثبت أن النبي صلىاللهعليهوسلم أباحها ثلاثة أيام ، وفي بعض الروايات : أنه أباحها يوم أوطاس ، ولكن الحقيقة أن ذلك كان في يوم الفتح ، ومن قال : يوم أوطاس ؛ فذلك لاتصالها بها ، ثم حرمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك إلى يوم القيامة.
فيعلم من هذا أن المتعة كانت مباحة قبل خيبر ، ثم حرمت في خيبر ، ثم أبيحت يوم الفتح ، ثم ـ