يحتمل : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ حيث كفر عنكم ما ارتكبتم في الدنيا بالعذاب الذي يقام عليكم ، ولم يجعل عذابكم في الآخرة ؛ إذ عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، وذلك من رحمته.
ويحتمل : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) من رحمته أن يجعل الحدود في الدنيا زواجر عن العود إلى ارتكاب مثله من الأفعال.
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)
يحتمل قوله : يريد الله أن يبين لكم ما تؤتون (١) وما تنفقون ، وما لكم وما عليكم ، ويبين ما به صلاحكم ومعاشكم في أمر دينكم ودنياكم ، لكن حقيقة المراد بالآية : إما أن يكون أراد جميع ما ذكر ، أو معنى خاصّا مما احتمله الكلام ، وليس لنا القطع على ما أراد به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
[يحتمل](٢) وجوها :
أي : يبين لكم سبيل الذين من قبلكم (٣) ، أي : سبيل الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وأهل الهدى والطاعة منهم ؛ ليعلموا ما عملوا هم وينتهوا عما انتهوا ، وكذلك في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : سبل الذين من قبلكم.
ويحتمل : قوله : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : أمر الرسالة والنبوة ؛ ليهديكم محمد صلىاللهعليهوسلم وهو رسول ؛ إذ أمر الرسالة والنبوة ليس ببديع ، قد كان في الأمم السالفة رسل وأنبياء ـ عليهمالسلام ـ فأمر رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ونبوته ليس ببديع ولا حادث ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩].
ويحتمل قوله : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : يبين لكم أن كيف كان سنته في الذين خلوا من قبل في إهلاك من عاند الله ورسوله ، واستئصال من استأصلهم بتكذيب
__________________
(١) في ب : تأتون.
(٢) سقط من ب.
(٣) ينظر البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٣٥).