توبتهم قتل بعضهم بعضا ، وجعل توبتنا الندامة بالقلب ، والرجوع عمّا ارتكبوا.
أو أن يقال : خفف عنا ؛ حيث لم يستأصلنا ، ولم يهلكنا بالخلاف له وترك الطاعة ، على ما استأصل أولئك وأهلكهم.
ويحتمل التخفيف عنا ـ أيضا ـ : وهو ما خفف علينا من إقامة العبادات والطاعات ، من نحو : الحج ، والجهاد ، وغيره ، حتى جعل القيام بذلك أخف على الإنسان وأيسر من قيامه بأخف العبادات [والطاعات](١) وأيسرها ، وذلك من تخفيف الله علينا وتيسيره ؛ فضلا منه ورحمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢)
يحتمل : أن يكون أراد به الكافر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] وكقوله ـ تعالى ـ : و (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) [المعارج : ٢٠] وقد قيل : كل موضع ذكر فيه الإنسان فهو في كافر من ضعفه يضيق صدره ، ويمل نفسه بطول الترك في النعم حتى يضجر فيها.
ويحتمل : أنه أراد به الكافر والمسلم ، ووضعه في ابتداء حاله أنه كان ضعيفا ؛ كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ).
ويحتمل وصفه بالضعف له ؛ لأنه ضعيف في نفسه ، يمل من الطاعات والعبادات التي جعل الله عليه ، ليس كالملائكة ؛ حيث وصفهم أنهم لا يفترون ولا يستحسرون ، (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] ولا كذلك بنو آدم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)(٣١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٩٨) : والمعنى أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه ، وهذا أشد الضعف فاحتاج إلى التخفيف. وقال طاوس : ذلك في أمر النساء خاصة. وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] أي : وخلق الله الإنسان ضعيفا ، أي : لا يصبر عن النساء. قال ابن المسيب : لقد أتى على ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشو بالأخرى ، وصاحبي أعمى أصم ـ يعني ذكره ـ وإني أخاف من فتنة النساء.