واليتامى ، والمساكين ... إلى آخر ما ذكر ، لكن المعنى الذي به أمر بالإحسان إلى هؤلاء الأصناف والفرق مختلف : أما إحسان الوالدين :
تشكّر لهما بما أحسنا إليه وربياه صغيرا ؛ كقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ...) وقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ...) الآية (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [الإسراء : ٢٤] يذكر حال صغره وضعفه أن كيف ربياه ، ويشكر لهما على ذلك ، ويحسن إليهما كما (١) أحسنا إليه وربّياه صغيرا ، وقال [الله](٢) ـ عزوجل ـ أيضا ـ : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) [الأحقاف : ١٥] فإحسان الوالدين جزاء وتشكر لما أنعما هما عليه ، وذلك يكون من جانب [الولد](٣) ؛ لأن مثله لا يلزم الوالدين لولده ، وذلك فرض على الولد ، حتى عد عقوق الوالدين من الكبائر ؛ روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين» (٤).
والواجب على الرجل أن يطيع والديه وكل واحد منهما ؛ إلا أن يأمراه بمعصية ، أو ينهياه عن أداء فريضة ، أو تأخيرها عن وقتها ، فإن طاعتهما ـ حينئذ ـ معصية لله ، [ألا ترى إلى](٥) قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) [لقمان : ١٥] أمره بمصاحبتهما بالمعروف إلا أن يأمراه بمعصية ؛ ولهذا قال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ : لا ينبغي للرجل أن يقتل أباه الكافر إذا كان محاربا ؛ إلا أن يضطره الأب إلى ذلك ؛ لأنه قال : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) [لقمان : ١٥] فمن المعروف في الدنيا ألا يقتله ، ولا يشهر عليه السلاح.
وقالوا أيضا : إن مات أحدهما تولى دفنه ، وذلك من حسن الصحبة والمعروف.
روي أن أبا طالب لما مات قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلى : «اذهب فواره».
ثم في هذه الآية تسوية بين الوالدين فيما أمر له من الإحسان إليهما ، [و] لم يجعل للأب فضلا في ذلك على الأم ؛ فذلك يدل على أن إسلام كل واحد من الأبوين إسلام للصغير ؛ إذ (٦) كان الإجماع قائما في أن إسلام الأب إسلام لولده الصغار ، وكذلك قول
__________________
(١) في ب : لما.
(٢) سقط من ب.
(٣) سقط من ب.
(٤) تقدم.
(٥) في أ : وكذلك.
(٦) في ب : إذا.