وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) يحتمل وجهين :
يحتمل : أنه كان على علم منه [بما يفعلون](١) من فعل الكفر والشر ونحوه من خلق إبليس ، لا عن جهل ولا غفلة ، ليس كصنيع ملوك الأرض أنهم إذا فعلوا فعلا ثم استقبل الخلاف فإنما يكون ذلك لفعله منهم وجهل بالعواقب ، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ كان لم يزل عالما بهم ، لكنه تركهم على ذلك لما لا يلحقه الضرر بالعصيان ، ولا النفع بالطاعة ، بل حاصل الضرر والنفع يرجع إليهم.
والثاني : يخرج مخرج التحذير لهم والتنبيه ؛ لأن من علم أن آخر يعلم بصنيعه كان أحذر وأخوف ممن يعلم أنه ليس عليه حافظ ولا رقيب ، وعلى هذا يخرج قوله : (كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) [الانفطار : ١١ ـ ١٢] ليكونوا على حذر من ذلك.
وقيل : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) أنهم لن يؤمنوا.
[وفي](٢) قوله ـ أيضا ـ : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) أي : أنشأهم على العلم بما يفعلون ؛ يبين أنه أنشأهم ؛ ليعلم الخلائق أن مخالفتهم إياه لا تضره ؛ إذ كل من يضره الخلاف لا يتولى ابتداءه إلا على الغفلة ببعضه من الضرر يلحقه بالخلاف.
والثاني : على التحذير وقت الفعل بتذكير المراقب عليه على ما عليه الأمر المعتاد من الانتهاء عن أمور تهواها النفس بالمراقب عليه.
[ويحتمل](٣) : كان على إرادة نفي حدثية العلم ، أو أخبر بعلمه بفعلهم وما لهم من الجزاء ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٤٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) و (نَقِيراً) [النساء : ١٢٤] (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦]
ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لئلا يظن جاهل إذا رأي ألم الأطفال والصغار وما يحل بهم أن ذلك ظلم منه لهم ، لكن ذلك ـ والله أعلم ـ ليعلم أن الصحة والسلامة إفضال من الله ـ
__________________
(١) في ب : يفعلون ما يفعلون.
(٢) في أ : في هذا.
(٣) سقط من ب.