وإن أريد به غير الجماع مما قد يحتمل وجوها ، فهو لا يجمع الكل ، ولكن يرجع إلى خاص ، وهو الذي في الغالب أن يكون ثم خروج وإن لم يكن ، وهي المباشرة الفاحشة ؛ دليله ذكر المرض والسفر على غير اقتران الحكم بنفسه ؛ إذ هو اسمان لوجوه ، فانصرفا إلى غاية ما له وقعت الرخصة من العجز والعدم ، فمثله أمر الوضوء في الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)
قيل : التيمم : القصد (١) ؛ يقال : تيممت الصعيد وأممته (٢) ، لغتان (٣).
وقوله : (فَتَيَمَّمُوا)(٤) : تعمدوا صعيدا طيبا ، فإذا كان التيمم القصد والتعمد إلى الصعيد ـ لم يجز إلا بالنية ؛ لأنه ـ عزوجل ـ أمر بالقصد إليه والتعمد ، وذلك أمر بالنية ؛ لأن القصد نية.
وفي حرف حفصة وابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ «فأموا صعيدا طيبا» أي : اقصدوا قصده ، والصعيد ، قيل : هو وجه الأرض (٥) ، وسمي : صعيدا ؛ لما يصعد عليها.
وقيل : الصعيد هو الأرض التي تنبت ؛ ألا ترى أنه روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، إلّا السّبخة والمقبرة» (٦) وقيل : إنها ملعونة ؛ ولهذا قال (٧) أبو يوسف ـ رحمهالله ـ : إن التيمم لا يجوز من الأرض السبخة (٨) ؛ لأنها ليست
__________________
(١) أخرجه بنحوه ابن جرير (٨ / ٤٠٧) (٩٦٤٣) عن سفيان ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٩٨) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) في ب : وأيمته.
(٣) ينظر لسان العرب (٦ / ٤٩٦٦) ، ترتيب القاموس (٤ / ٦٨١) ، المعجم الوسيط (٢ / ١٠٧٩).
(٤) قال القرطبي (٥ / ١٤٢) : أجمع العلماء على جواز التيمم في السفر حسبما ذكرنا ، واختلفوا فيه في الحضر ؛ فذهب مالك وأصحابه إلى أن التيمم في الحضر والسفر جائز ؛ وهو قول أبي حنيفة ومحمد ، وقال الشافعي : لا يجوز للحاصر الصحيح أن يقيم إلا أن يخاف التلف ، وهو قول الطبري ، وقال الشافعي أيضا والليث والطبري : إذا عدم الماء في الحضر مع خوف الوقت الصحيح والسقيم تيمم وصلى ثم أعاد ، وقال أبو يوسف وزفر : لا يجوز التيمم في الحضر لا لمرض ولا لخوف الوقت ، وقال الحسن وعطاء : لا يتيمم المريض إذا وجد الماء ولا غير المريض ، وسبب الخلاف اختلافهم في مفهوم الآية.
(٥) انظر : ابن جرير (٨ / ٤٠٨).
(٦) أخرجه البخاري (١ / ٥٧٩) كتاب التيمم : أول باب فيه (٣٣٥) ، وأطرافه (٤٣٨) (٣١٢٢) ، ومسلم (١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١) كتاب الصلاة ومواضع الصلاة (٣ / ٥٢١) بلفظ : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... وفيه : وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا ... الحديث».
(٧) في ب : مما قال.
(٨) ينظر : اللباب (١ / ٣١١) ، وحاشية ابن عابدين (١ / ١٥٩) ، وفتح القدير (١ / ٨٨) ، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (١ / ١٥٤) ، والدسوقي (١ / ١٥٥) ، ومغني المحتاج (١ / ٩٦) ، وحاشية البجيرمي على الخطيب (١ / ٢٥٢) ، والمغني (١ / ٢٤٧) ، وغاية المنتهي (١ / ٦١).