قد [مضى غسل فرضها](١) من قبل ؛ فصارت الآية كأنها في غسل الذراع بالأمر بغسل (٢) اليد ، وعرف [بذلك](٣) غسل الكف لا بها ، فمثله أمر التيمم ؛ فصارت الآية كأنها في حق الذراع ، ودخل الكف في ذلك بالخبر على أن أمر الطهارة فيما أضيفت إلى عضو أو بدن لم يحد لم يدخل كالمضاف إليه في الاشتراك بقضاء حقهما (٤) ، نحو الجنابة ، والوجه ، والرأس ، فكذلك أمر اليد في التيمم ، لكن قصر عن التمام ، بدلالة بيان السنة وعموم الفتيا ، وما لا يشك (٥) في قضاء حكم الوضوء ، وليس هو في بعض اليد فلا يجعل فيما ليس هو فيه بدله ؛ إذ حقه التقصير عن كمال وظيفة الأصل ، لا الزيادة عليه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا)
لما مضى من الذنوب
(غَفُوراً) لما يستقبل.
والعفو : الصفح والمحو ، والغفر : الستر ، هو يعفو عنه ، ويستر على صاحبه.
[أو يعفو من](٦) التجاوز ؛ فيختلف اللفظ على إرادة معنى واحد.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(٤٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً)(٧) يقول : أعطوا حظّا من علم الكتاب ، وهم علماؤهم ، يشترون الضلالة بعلم الكتاب.
ويحتمل : يشترون الضلالة بالهدى ، [وكذلك قيل في حرف حفصة على ما ذكر في
__________________
(١) في أ : قضى فرض غسلهما.
(٢) في ب : يغسل.
(٣) سقط من ب.
(٤) في أ : حقها.
(٥) في أ : شك.
(٦) في أ : والعفو هو.
(٧) قال القرطبي (٥ / ١٥٧) : نزلت في يهود المدينة وما والاها. قال ابن إسحاق : وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود إذا كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لوّى لسانه وقال : أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك. ثم طعن في الإسلام وعابه ؛ فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا ...) الآية ، إلى قوله قَلِيلاً.