الكتب والأنبياء ، عليهمالسلام (١) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً)(٤٨)
قوله تعالى : وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ)(٢) دلت هذه الآية أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب ؛ ولا ممن أوتوا الكتاب ؛ لأنه قال ـ عزوجل ـ : (آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي : موافقا لما معكم وليس عند المجوس كتاب حتى يكون المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم مصدقا لما معهم.
ثم قوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي : موافقا لما معكم ، وإنما كان موافقا لما معهم بالمعاني المدرجة فيه والأحكام ، لا بالنظم واللسان ؛ لأنه معلوم أن ما معهم من الكتاب مخالف للقرآن نظما ولسانا ، وكذلك سائر كتب الله ـ تعالى ـ موافق بعضها بعضا معاني وأحكاما ، وإن كانت مختلفة في النظم واللسان ؛ دل أنها من عند الله ـ تعالى ـ نزلت ؛ إذ لو كانت من عند غير الله كانت مختلفة ؛ ألا ترى أنه قال : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ففيه دليل لقول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ حيث أجاز الصلاة بالقراءة الفارسية (٣) ؛ لأن تغير النظم واختلاف اللسان لم يوجب تغير المعاني واختلاف الأحكام ، حيث أخبر ـ عزوجل ـ أنه موافق لما معهم ، وهو في اللسان والنظم مختلف ، والمعنى موافق.
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١٠ / ٩٦) ، وابن عادل في اللباب (٦ / ٤١١).
(٢) قال القرطبي (٥ / ١٥٨) : واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية ؛ هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا ، فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين ، أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق؟ قولان روي عن أبي بن كعب أنه قال : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ) [النساء : ٤٧] من قبل أن تضلكم إضلالا لا تهتدون بعده يذهب إلى أنه تمثيل ، وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة ، وقال قتادة : معناه : من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء ، أي : يذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب ؛ هذا معناه عند أهل اللغة ، وروي عن ابن عباس وعطية العوفي : أن الطمس أن تزال العينان خاصة وترد في القفا ؛ فيكون ذلك ردّا على الدبر ويمشي القهقري.
(٣) تنظر المسألة في : شرح المهذب (٣ / ٣٤١) ، الحاوي للماوردي (٢ / ١١٣) ، روضة الطالبين (١ / ٣٥٠) ، رد المحتار (٢ / ١٨٣ ، ١٨٤) ، المبسوط (١ / ٣٧ ، ٢٣٤) ، الهداية (١ / ٤٧) ، شرح فتح القدير (١ / ٢٤٧) ، مختلف الرواية (ص ١١٠) ، المغني لابن قدامة (٢ / ١٥٨) ، كشاف القناع (١ / ٣٤٠ ، ٣٤١) ، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (٢ / ٥٣).