أحدها : أن من عادة الملوك أنهم إذا خاطبوا بشيء إنما يخاطبون أهل الشرف والمجد ، ومن كان أسمع لخطابهم ، وأعظم لقولهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) [النمل : ٣٢] ، وقال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) [النمل : ٣٨] يخاطبون [أبدا](١) أهل الشرف والمجد ، ومن هو أقبل لقولهم ، وأطوع لأمرهم ؛ فعلى ذلك خاطب الله ـ تعالى ـ المؤمنين وأمرهم أن يطيعوه ويطيعوا رسوله ، وإن كان الخطاب بذلك يعمهم.
والثاني : يحتمل أن يكون الخطاب بذلك للمؤمنين خاصّة ؛ لأن الكافر إنما يخاطب باعتقاد الطاعة له أولا ، فإن أجاب إلى ذلك فعند ذلك يخاطب بغيره ، والمؤمن قد اعتقد طاعة ربه ، وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم ؛ لذلك خرج الخطاب منه للمؤمنين خاصة ، والله أعلم.
ويحتمل : أن يكون تخصيص الخطاب للمؤمنين ؛ لما أمر بطاعة أولى الأمر ؛ ليعلم أنه إنما أمر بطاعة أولى الأمر إذا كانوا مؤمنين ، والله أعلم.
ثم فيه دلالة جواز الطاعة لغير الله ؛ لأن كل من عمل بأمر آخر فقد أطاعه ، هو الائتمار للآمر.
وأما العبادة فهي (٢) إخلاص الشيء بكليته لله ـ عزوجل ـ حقيقة ؛ إذ الأشياء كلها لله بكليتها حقيقة ، ليست لأحد سواه ؛ لذلك لم يجز أن يعبد غير الله ـ تعالى ـ وقد يجوز أن يطاع غيره ؛ لما ذكرنا أن الطاعة هي الائتمار بالأمر ، وليس العبادة ؛ لذلك افترقا.
ثم طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم تكون طاعة لله ؛ لأنه بأمره يطاع ، وفي طاعتهم له طاعته.
ثم قيل : قوله ـ تعالى ـ : (أَطِيعُوا اللهَ) في فرائضه ، و [رسول الله](٣) صلىاللهعليهوسلم في سنته (٤).
وقيل : (أَطِيعُوا اللهَ) فيما أمركم ونهاكم في كتابه ، (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٥) صلىاللهعليهوسلم فيما أمركم ونهاكم في سنته (٦).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : فهو.
(٣) في ب : رسوله.
(٤) انظر البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٩٠) ؛ وتفسير القرطبي (٥ / ١٦٨ ، ١٦٩).
(٥) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٢٥٥) : قال الحافظ ابن حجر في الفتح : النكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر ، مع أن المطاع في الحقيقة هو الله ـ تعالى ـ كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة ، فكان التقدير : وأطيعوا الله فيما قضى عليكم في القرآن ، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن ، وما ينصه عليكم من السنة ، والمعنى : أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته ، وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن.
(٦) في ب : سننه.