ومما يبين الذي ذكرت أن كل من عرف الإله ، عرف أن عليه طاعته بما عرف اسمه الذي سمت العرب كل معبود : إلها ، فمن عرف منهم الإله عرف أنه معبود ، ثم من عرف ما له عنده من الأيادي ، وعليه من النعم علم أن عليه شكره وطاعته به.
ثم من عرف الرسول صلىاللهعليهوسلم ، عرف أن طاعته هي طاعة الله ؛ لأنه إليه يدعو ، وعن أمره ونهيه يأمر وينهي ؛ إذ هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه إلى الخلق ، وليس من عرف الله وعرف الرسول صلىاللهعليهوسلم يعرف أن عليه طاعة أولى الأمر بما لم يرو عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فبين الله ـ تعالى ـ ذلك في هذه الآية ؛ ليعلموا أن طاعتهم هي طاعة الله وطاعة [رسول الله](١) صلىاللهعليهوسلم ؛ وذلك هو الدليل على جعل الإجماع حجة ، وأن متبعهم هو مطيع لله ـ تعالى ـ إذ (٢) صير الله ـ تعالى ـ طاعتهم طاعته ، وهم في ذلك الإجماع.
وعلى ما ذكرت من شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم يخرج قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ...) [النساء : ٨٠] وقوله ـ تعالى ـ : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية [النساء : ٦٥] صير الواجد حرجا مما قضى واجدا حرجا من قضاء الله ـ تعالى ـ في نفي حكم الإيمان ؛ وعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [النساء : ٦٤] أي : ليكون عليهم طاعته بأمر الله ـ تعالى ـ إذ هي طاعة الله أولا ؛ لتكون طاعته طاعة الله بإذنه وبأمره ، والله الموفق.
ثم اختلف في أولي الأمر ، ومعلوم أنهم هم الذين إليهم يرجع تدبير أمور الدين ، وعن آرائهم يصدر وهم الذين تضمنتهم آية أرجو أن يكون فيها الكفاية في تعريف المقصود بها ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] فجعل أولي الأمر من عندهم علم الاستنباط ، وشهد لهم بالعلم فيما رد إليهم ؛ فثبت أنهم الفقهاء المعروفون بالاستنباط ورعاية أمور الدين ، وفي هذا ـ أيضا ـ دلالة على إصابتهم فيما أجمعوا عليه ؛ إذ شهد لهم في الجملة بالعلم ؛ وعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ...) الآية [آل عمران : ١١٠] ، وقوله تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ...) الآية [البقرة : ١٤٣].
ثم كانت الشهادات والأمر والنهي للعلماء بهما ؛ ثبت أن الأمر في ذلك ينصرف إلى العلماء ، وأنهم إذا اجتمعوا على شيء بالأمر أو بالنهي ، يكون إجماعا ؛ لأن ذلك كذلك عند الله ـ تعالى ـ وتجوز شهادتهم على جميع العوام ومن تأخرهم ، ومن ذلك في الأمور
__________________
(١) في ب : رسوله.
(٢) في ب : إذا.