الثبات ، فلو كان لا يسقط بقيامهم عن الباقين لم يكن للأمر به معنى ، وتأويله ـ والله أعلم ـ : إذا قيل لكم ، انفروا ، فانفروا ثبات أو انفروا جميعا.
قوله تعالى : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٧٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) كأنه ـ والله أعلم ـ نهي المنافقين بالخروج إلى الغزو كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) [التوبة : ٨٣] وأمر المؤمنين أن يخرجوا لذلك ؛ لأنه قال الله ـ تعالى ـ : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) والمؤمنون هم الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي سَبِيلِ اللهِ) قيل : في إظهار دين الله (١).
وقيل : في طاعة الله ـ تعالى ـ ونصر أوليائه (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) في الآية دلالة أن من بذل نفسه وماله لله ـ تعالى ـ غاية ما يجب أن يبذل استوجب العوض قبله ، وإن لم يتلف نفسه فيه ولا أحدث ؛ لأنه قال ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ) [التوبة : ١١١] جعل لمن يتلف نفسه فيه الثواب والعوض الذي تلفت نفسه فيه ؛ لأنه إذا غلب لم تتلفت نفسه فيه ، وكذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة : ١١١] جعل لمن قتل ولم يقتل فيه العوض ؛ فهذا يدل على مسائل لنا : من ذلك : أن المرأة إذا سلمت نفسها [إلى زوجها](٣) في الوقت الذي كان عليها التسليم استوجب كمال الصداق وإن لم يقبض الزوج منها.
__________________
ـ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [التوبة : ٣٨ ـ ٣٩] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا استنفرتم فانفروا».
ينظر : فتح الباري لابن حجر (٦ / ٢٧ ـ ٢٨) ، المغني (١٠ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨.
(١) ينظر تفسير ابن جرير ٨ / ٥٤١.
(٢) ذكره السيوطي (٢ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(٣) في ب : لزوجها.