وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً)(١)
قيل : شهيدا بما أخذ من ماله وأنفق.
ويحتمل قوله : (حَسِيباً) يحاسبه في الآخرة ؛ إذا لم يحاسبه اليتيم في الدنيا.
قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(١٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ ...)(٢) الآية.
يحتمل أن تكون الآية ـ والله أعلم ـ نزلت بسبب ما لم يكن يورث أهل الجاهلية الإناث والصغار (٣) ، ويجعلون المواريث لذوي الأسنان من الرجال ، الذين يصلحون للحرب ، ويحرزون الغنيمة ؛ فنزلت الآية بتوريث الرجال والنساء جميعا.
ويقال : إن الآية نزلت في شأن رجل يقال له : أوس بن ثابت (٤) الأنصاري ، توفي
__________________
ـ وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٦) وعزاه لعبد بن حميد والبيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(١) قال القاسمي (٥ / ٤٢) : أي كافيا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض ، أو محاسبا ؛ فلا تخالفوا ما أمركم به. ولا يخفى موقع هذا التذييل هنا ؛ فإن الوصي يحاسب على ما في يده. وفيه وعيد لولي اليتيم ، وإعلام له أنه ـ تعالى ـ يعلم باطنه كما يعلم ظاهره ؛ لئلا ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحل ، ويقوم بالأمانة التامة في ذلك إلى أن يصل إليه ماله.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٣١) : قال علماؤنا : في هذه الآية فوائد ثلاث :
إحداها : بيان علة الميراث وهي القرابة. والثانية : عموم القرابة كيفما تصرفت من قريب أو بعيد.
والثالثة : إجمال النصيب المفروض ، وذلك مبين في آية المواريث ؛ فكان في هذه الآية توطئة للحكم ، وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي.
قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٤٢) : وإيراد حكم النساء على الاستقلال دون الدرج في تضاعيف أحكام الرجال ، بأن يقال للرجال والنساء ... إلخ للاعتناء بأمرهن ، والإشارة من أول الأمر إلى تفاوت ما بين نصيبي الفريقين ، والمبالغة في إبطال حكم الجاهلية ؛ فإنهم كانوا لا يورثون النساء والأطفال ، ويقولون : لا يرث إلا من طاعن بالرماح ، وذاد عن الحوزة ، وحاز الغنيمة. وقد استدل بالآية على توريث ذوي الأرحام ؛ لأنهم من الأقربين. وهو استدلال وجيه ، ولا حجة لمن حاول دفعه.
(٣) في الأصول : الإناث والنساء والصغار.
(٤) أوس بن ثابت الأنصاري الخزرجي النجاري ، أخو حسان بن ثابت الشاعر ، شهد العقبة وبدرا ، قتل ـ