وقيل : المقيت مشتقة من القوت ؛ يقول : رزق كل دابة على الله ـ تعالى ـ حتى تستوفي أكلها ورزقها (١).
وقيل : مقيتا : راحما يكلؤهم ويرزقهم.
وقال أبو بكر الكسائي : وهو مأخوذ من الكتب السابقة ، ليس هو بلساننا ؛ فنحن (٢) لا نتأوله (٣) ؛ فلعله على خلاف ما نتأوله ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)(٨٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)(٤)
ذكر التحية ، ولم يذكر ما تلك التحية ، واسم التحية يقع على أشياء : من نحو ما جعل الصلاة لتحية المسجد ، والطواف تحية البيت ، وغير ذلك مما يكثر عددها ، لكن أهل التأويل أجمعوا على صرف هذه التحية إلى السلام دون غيرها من التحية التي ذكرنا ؛ ألا ترى أنه قال ـ عزوجل ـ : (أَوْ رُدُّوها)؟! ولو كان غيرها أراد ـ لم يقل : (أَوْ رُدُّوها) ؛ لأن غيرها من التحية لا يرد ؛ إذ في الرد ترك القبول ، ولم يؤمر بذلك ؛ دل أنه أراد بالتحية : السلام ، ويدل على ذلك آيات من كتاب الله ـ تعالى ـ : قال الله ـ عزوجل ـ : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النور : ٦١] ؛ فجعل تحية الملائكة للمؤمنين السلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [الرعد : ٢٤] ، وجعل تحية أهل الجنة السلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [إبراهيم : ٢٣] ، وتحية الملائكة بعضهم على بعض : بالسلام ؛ ألا ترى أنه قال [الله ـ تعالى ـ :](٥)(فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ ...) الآية
__________________
ـ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٦) وعزاه لأبي بكر بن الأنباري في الوقف والابتداء ، والطبراني في الكبير ، والطستي في مسائله عن ابن عباس.
(٢) في ب : فنجيء.
(٣) ذكره ابن جرير بمعناه في تفسيره (٨ / ٥٨٥) ، والرازي في تفسيره (١٠ / ١٦٦).
(٤) قال القرطبي (٥ / ١٩٢) : واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها ؛ فروي ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس ، والردّ على المشمت ، وهذا ضعيف ؛ إذ ليس في الكلام دلالة على ذلك ، أما الرد على المشمت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية ، وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه. والله أعلم.
وقال ابن خويزمنداد : وقد يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة إذا كانت للثواب ؛ فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها ، وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها.
(٥) سقط من ب.