وأبوا الهجرة.
(فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
لأنهم صاروا حربا لنا ؛ حيث تركوا الهجرة وأبطلوا إيمانهم الذي تكلموا به
(وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)
لما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) يخرج على وجهين :
أحدهما : في لحوق قوم من مظهري الإيمان أنهم لو لحقوا بمن لا ميثاق بينكم وبينهم ولا عهد ؛ فاقتلوهم حتى (١) يتوبوا ويهاجروا ، ولو لحقوا بأهل الميثاق ـ لا تدعوا الولاية التي كانت بينكم وبينهم.
والثاني : أن تكون الآية في قوم من الأعداء وأهل الحرب : لو انضموا إلى أهل الميثاق وأهل العهد فلا تقاتلوهم ؛ فيكون الأمر عقيب موادعة تجري بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين قوم في دورهم ، على أن لا تمانع بينهم لأهل الاتصال في الزيادة والاجتماع إلى المدة المجعولة للعهد ، ممن إذا خيف منهم : ينبذ إليهم العهد ، ويوفي إليهم المدة إذا وفوا ـ والله أعلم ـ كقوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ ...) [التوبة : ٤] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة : ٧].
قوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(٩١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ)
قال بعضهم : استثنى الذين خرجوا من دار الهجرة مرتدين إلى قومهم (٢) ، وكان بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق ، وقال : وفيهم نزل قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٤] كأنه قال ـ والله أعلم ـ : إن وصل هؤلاء إلى أولئك الذين بينكم وبينهم عهد وميثاق ـ فلا تقاتلوهم.
__________________
(١) في ب : حيث.
(٢) في ب : دينهم.