وعرضها (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَتَبَيَّنُوا)
عاد إلى الأول ، وأمر بالتثبت عند الشبهة ؛ ألا ترى أنه روى في الخبر أنه قال : «المؤمن وقّاف وزّان» : وقاف يقف عن الشبهة ، ووزان يزن الأعمال فيختار أفضلها.
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً)(٩٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)
قال الحسن : كان هذا في الوقت الذي كان الجهاد تطوعا ؛ لأنه لو كان فرضا لكان لا معنى لقوله : لا يستوي كذا من كذا ، وهما غير مستويين : أحدهما فرض عليه ، والآخر لا.
قيل له : هذا الذي ذكرت لا يدل على أن الجهاد ليس بفرض في ذلك الوقت ؛ ألا ترى أنه قال : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨] ، وقال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : ٢١] ، جمع بين متضادين ، ثم قال : (لا يَسْتَوُونَ) [التوبة : ١٩] ؛ فعلى ذلك [هذا] ، وهو أولى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) : استثنى أهل الضرر مجملا في هذه الآية ، وبيّن أمرهم وما زال (٢) عنهم من فرض الجهاد في آية أخرى ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [النور : ٦١] ، وقوله عزّ
__________________
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٩ / ٨٣) رقم (١٠٢٣٠) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٣٥٩) عن قتادة وابن زيد ، بنحوه.
(٢) في ب : أزال.