هذه لك وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعت (١) عليه رسولك. ومات ؛ فنزل فيه : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ)(٢) أي : وجب أجره.
وقيل : إنه لما سمع الرجل أن الملائكة ضربت وجوه أولئك وأدبارهم ، وقد أدنف للموت ؛ فقال : أخرجوني ؛ فاحتمل بينه وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما انتهى إلى عقبة ، فتوفي بها ؛ فأنزل الله هذه الآية (٣) ، والله أعلم بذلك.
وفي قوله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) ـ دلالة أن إسلام الولدان إذا عقلوا إسلامهم ـ إسلام ، وكفرهم كفر ؛ لأنه تعالى استثناهم وعذرهم في ترك الهجرة ؛ فلو لم يكن إسلامهم إسلاما ، ولا كفرهم كفرا ـ لكان (٤) مقامهم هنالك وخروجهم منها سواء ، ولا معنى للاستثناء في ذلك ؛ إذا لم يكن عليهم خروج ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً)(١٠١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ...) الآية.
أباح الله ـ تعالى ـ القصر (٥) من الصلاة ؛ إذا ضرب في الأرض إذا خاف أن يفتنه الكفار ، ولم يبين القصر في ما ذا؟ فيحتمل : القصر قصرا من الركعات ؛ على ما قال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ ويحتمل : القصر من الركوع والسجود والقيام بالإيماء ؛ كقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) [البقرة : ٢٣٩] رخص للخائف الصلاة بالإيماء.
ويحتمل : القصر قصر الاقتداء ، وذلك ـ أيضا ـ مباح عند الخوف.
ثم تأول قوم أن الصلاة كانت ركعتين ، فزيدت في صلاة الحضر ، وأقرت في صلاة السفر ، ورخص في القصر من ركعتى السفر في حال الخوف ، وقالوا : صلاة الخوف ركعة.
__________________
(١) في ب : بعث.
(٢) أخرجه الطبري في التفسير (٩ / ١١٤) رقم (١٠٢٨٣) ، وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ٣٦٩) لسعيد بن منصور وعبد بن حميد ، وابن جرير والبيهقي.
(٣) رواه الطبري في التفسير (٩ / ١١٥) رقم (١٠٢٨٦) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٣٦٩).
(٤) في ب : فكان.
(٥) القصر ـ لغة ـ : التنقيص ، وشرعا : رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين ، وسبب القصر : السفر ، وإن لم توجد مشقة ، بخلاف الجمع ؛ فإنه لا يختص بالسفر ؛ بل قد يكون بالمطر. ينظر : لسان العرب (قصر) ، وروضة الطالبين (١ / ٤٩٤).