وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : نهي من حضر منهم مريضا عند الموت أن يأمره أن ينفق ماله في العتق والصدقة ، أو في سبيل الله ؛ ولكن يأمره أن يبين ما له وما عليه من دين أو حق (١).
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً)(٢)
أي : استحلالا ، فإذا استحل كفر ؛ فذلك الوعيد له.
وقيل : (ظُلْماً) : أي : غصبا.
والأكل : هو عبارة عن الأخذ ؛ كقوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) [آل عمران : ١٣٠] إنما هو نهي عن أخذه ، وكذلك قوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، وقوله : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٨] ـ إنما هو نهي عن قبض الربا ؛ فعلى ذلك الأكل ـ في هذه الآية ـ عبارة عن الأخذ والاستحلال.
ومن حمل الآية على الغصب (٣) جعل الوعيد عليه ، إلا أن يتوب ؛ إذ لله أن يعذب من
__________________
(١) أخرجه الطبري والبيهقي وابن أبي حاتم ، وقد مضى قريبا.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٣٦) : روي أنها نزلت في رجل من غطفان يقال له : مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ فيه هذه الآية ، قاله مقاتل بن حيان ؛ ولهذا قال الجمهور : إن المراد الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم. وقال ابن زيد : نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار. وسمي أخذ المال على كل وجوهه أكلا ؛ لما كان المقصود هو الأكل ، وبه أكثر إتلاف الأشياء. وخص البطون بالذكر لتبيين نقصهم ، والتشنيع عليهم بضد مكارم الأخلاق. وسمي المأكول نارا بما يؤول إليه كقوله ـ تعالى ـ : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [يوسف : ٣٦] أي عنبا.
قال القاسمي (٥ / ٤٩) : روى أبو داود حديث (٢٨٧١) والنسائي والحاكم وغيرهم أنه لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه ، من طعامه وشرابه من شرابه. فجعل يفضل له الشيء من طعامه ، فيحبس له حتى يأكل أو يفسد. فاشتد عليهم ذلك. فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) [البقرة : ٢٢٠] الآية. فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه. وقد مضى ذلك في سورة البقرة.
قال الرازي ـ رحمهالله ـ : ومن الجهال من قال : صارت هذه الآية منسوخة بتلك. وهو بعيد. لأن هذه الآية في المنع من الظلم. وهذا لا يصير منسوخا. بل المقصود أن مخالطة أموال اليتامى ، إن كان على سبيل الظلم ، فهو من أعظم أبواب الإثم. كما في هذه الآية. وإن كان على سبيل التربية والإحسان ، فهو من أعظم أبواب البر ، كما في قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠].
(٣) الغصب ـ : لغة ـ : مصدر «غصبه يغصبه» ـ بكسر الصاد ـ ويقال : اغتصبه ـ أيضا ـ وغصبه منه ، وغصبه عليه ـ بمعنى ، والشيء غصب ومغصوب ، وهو في اللغة : أخذ الشيء ظلما ، قاله الجوهري ، وابن سيده ، وغيرهما من أهل اللغة. انظر : المصباح المنير : (٢ / ٦١٣) ، الصحاح : (١ / ١٩٤) ، المطلع : (٢٧٤) المغرب : (٣٤٠).
واصطلاحا : عرفه أبو حنيفة وأبو يوسف بأنه : إزالة يد المالك عن ماله المتقوم ، على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل في المال. ـ