والثاني : أن يكون بالإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق ، وهذا هو الذي لم يزل أعداء الله يقصدون برسول الله وبجميع أهل الخير ؛ فكفهم بوجهين ، يتوجه كل وجه (١) إلى وجهين :
أحدهما : ظواهر الأسباب من الوحي والآيات ، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة ، [و] مرة باللطف والعصمة ، وسمى ذلك [فضلا ورحمة](٢) ؛ ليعرف أن ذلك فضله لا حقّا قبله ؛ إذ ليس بذل الحقوق يعدّ في الفضائل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لا أحد يقصد قصد إضلال نفسه ؛ لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم كأنهم (٣) أضلوا أنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
أمّن رسوله عن ضرر أولئك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)
قد ذكرناه في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)
من الحلال والحرام والأحكام كلها ، وغير ذلك ؛ كقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] فهو كذلك كان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)
فيما علمك من الأحكام ، وعصمك بالنبوة والرسالة ، وصرف عنك ضرر الأعداء والله أعلم.
قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)(١١٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).
اختلف في النجوى :
__________________
(١) في ب : وجهين.
(٢) في ب : فضله ورحمته.
(٣) في أ : كانوا.