فريضة في غير آى من القرآن بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) ثم قال : (نَصِيباً مَفْرُوضاً ...) [النساء : ٧] ، وقال ـ أيضا ـ في آخر هذه الآية : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) ، ولأنه شيء تولى الله إيجابه من غير اكتساب أهله ؛ فهو كالفرائض التي أوجبها الله على عباده من غير اكتساب أهلها ؛ فعلى ذلك سمى هذه فريضة ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أوجبه ، والله أعلم.
وقيل : قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، أي : يبين الله في أولادكم (١) ... إلى آخر ما ذكر.
وفيه نسخ الوصية للوالدين والأقربين في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ١٨٠] ، ودليل نسخه ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله ـ تعالى ـ أعطى كلّ ذى حقّ حقّه ؛ فلا وصيّة للوارث» (٢).
ثم قيل : إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد والإناث [في الميراث](٣) ؛ وإنما كانوا يورثون الرجال ومن يحوز الغنيمة ؛ فنزل قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ ...) الآية [النساء : ٧] ؛ فالآية في بيان الحق للإناث في الميراث ، وكذلك قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فيه بيان حق الميراث للذكور والإناث جميعا (٤).
وقيل : تأويل هذه الآية ما بين في القرآن في ذوي الأرحام ، وإن كانوا مختلفين في سبب ذلك ، وإن الآيات التي بعدها من قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلى آخر الآيات
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٦ / ٢٠٨).
(٢) أخرجه أبو داود (٣ / ٢٩٠) كتاب الوصايا : باب الوصية للوارث ، حديث (٢٨٧٠) ، والترمذي (٤ / ٤٣٣) كتاب الوصايا : باب ولا وصية لوارث ، حديث (٢١٢٠) ، وابن ماجه (٢ / ٩٠٥) كتاب الوصايا : باب لا وصية لوارث ، حديث (٢٧١٣) ، وأحمد (٥ / ٢٦٧) ، والطيالسي (٢ / ١١٧ ـ منحة) رقم (٢٤٠٧) ، وسعيد بن منصور (٤٢٧) ، والدولابي في «الكنى» (١ / ٦٤) ، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (١ / ٢٢٧) ، والبيهقي (٦ / ٢٦٤) كتاب الوصايا : باب نسخ الوصية للوالدين ، كلهم من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلى ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع : «إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذى حق حقه ، فلا وصية لوارث».
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» رقم (٩٤٩) من طريق الوليد بن مسلم قال : ثنا ابن جابر ، ثنا سليم بن عامر ، سمعت أبا أمامة ، فذكر الحديث.
(٣) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٨٧٢٦) وابن أبي حاتم ؛ كما في الدر المنثور (٢ / ٢٢٢).