لمنفعة ترجع إليهم ؛ فإذا ناقض ـ خرج الفعل من الحكمة. فأما الله ـ سبحانه وتعالى ـ يمتحن عباده ، ويبعث الرسل ـ عليهمالسلام ـ لحاجة بالمبعوث إليهم وبالممتحنين ، ولمنافع ترجع إليهم ؛ فيكون ذلك منه كهدايا ؛ فمن لا يقبلها فنفسه يضر ولحقها يبخس ، لا أن يرجع إليه ذلك ؛ فزال ذلك المعنى الذي له خرج الفعل من الخلق عن حد الحكمة ؛ فلزم القول بموافقة الحكمة والمصلحة ، ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً)(١٣٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ...) الآية.
ذكر الاستفتاء في النساء ، وليس فيه بيان عما وقع به السؤال ؛ إذ قد يجوز أن يكون في الجواب بيان المراد في السؤال ، وإن لم يكن في السؤال بيان ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) [البقرة : ٢٢٢] ؛ دل الأمر باعتزال النساء في المحيض ـ على أن السؤال عن المحيض إنما كان عن الاعتزال ، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد ؛ وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ ...) الآية [البقرة : ٢٢٠] ؛ دل قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) على أن السؤال إنما كان عن مخالطة اليتامى ، وكقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) [البقرة : ٢١٩] ؛ دل قوله : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) على أن السؤال عن الخمر والميسر ـ ما ذكر في الجواب من الإثم ، وإن لم يكن في السؤال بيان ذلك.
ثم قوله ـ تعالى ـ : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) ليس في السؤال ولا في الجواب بيان ما وقع به السؤال ؛ فيحتمل أن يكون السؤال في أمورهن جميعا : في الميراث وغير ذلك من الحقوق ، ثم ذكر واحدا فواحدا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ) [النساء : ٧] ، كقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا