والثالث : يحتمل : أن يكونوا عبدوا هذه الأصنام ؛ لمنافع يتأملون بذلك في الدنيا والسعة في الدنيا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ...) الآية [العنكبوت : ١٧] ؛ فعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لا (١) عند من تطلبون. ويحتمل أن تكون الآية في أهل المراءاة والنفاق ، الذين يراءون بأعمالهم الصالحة في الدنيا ؛ [يريدون] ثواب الدنيا لا غير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً).
لمقالتكم
(بَصِيراً).
بما تريدون وتعملون ، وهو وعيد.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(١٣٥)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ...) الآية (٢).
عن ابن عباس (٣) ـ رضي الله عنه ـ قال : كونوا قوامين بالعدل في الشهادة على من (٤) كانت : من قريب أو بعيد ، ولو على نفسه فأقر بها ، وكذلك قال عامة أهل التأويل قوله : (قَوَّامِينَ) : قوالين لله ، ولكن يكون (٥) في كل عمل وكل قول يلزم أن يقوم لله ، ويجعل الشهادة له ؛ فإذا فعل هكذا ـ لا يمنعه عن القيام بها قرب أحد ولا بعده ، ولا ما يحصل على نفسه أو والديه ، وكذلك قال الله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق : ٢] ؛ فإذا جعلها لله ـ عزوجل ـ لم يجعلها [للمخلوق ، أمكن](٦) له القيام بها ،
__________________
(١) في ب : ولا.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٢٦٣) : لا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية ، وأن شهادة الولد على الوالدين الأب والأم ماضية ، ولا يمنع ذلك من برهما ، بل من برهما أن يشهد عليهما ، ويخلصهما من الباطل ، وهو معنى قوله ـ تعالى ـ : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] فإن شهد لهما أو شهدا له وهي.
(٣) أخرجه بمعناه ابن جرير (٩ / ٣٠٤) (١٠٦٧٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٣) ، وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه ، وذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٨٩).
(٤) في الأصول : ما.
(٥) في أ : يقول.
(٦) في أ : لمخلوق ، لكن.