وقيل : وإن تلووا : من التحريف وطلب الإبطال.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا بين الناس» ، وهو من العدل ؛ على ما ذكرنا.
وقال بعضهم : هو من الصرف والعدول عن الحق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)
خرج على الوعيد ، على كل ما ذكر : من منع الشهادة ، والقيام لله بها ، وتحريف ما لزمهم ، وبالله العصمة.
وبمثل (١) ذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقم شهادته على من كانت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجحد حقّا هو عليه ، وليؤدّه عفوا ، ولا يلجئه إلى سلطان ، ولا إلى خصومة ليقطع بها حقّه ، وأيّما رجل خاصم إلىّ فقضيت له على أخيه بحقّ ليس هو له عليه ـ فلا يأخذنّه ؛ فإنّما أقطع له قطعة من جهنّم» (٢).
وروي في خبر آخر : «يا ابن آدم ، أقم الشّهادة ولو على نفسك ، أو على قرابتك ، أو شرف قومك ؛ فإنّما الشّهادة لله وليست للنّاس ، إنّ الله رضى بالعدل والإقساط لنفسه ، والعدل ميزان الله فى الأرض : يردّ على المظلوم من الظّالم ، وعلى الضّعيف من الشّديد ، وعلى المحقّ من المبطل ، وبالحقّ يصدّق الله الصّادق ، ويكذّب الله الكاذب ، ويردّ المعتدى ويوبّخه ، وبالعدل أصلح الله النّاس».
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً)(١٣٦)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ).
يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ـ وجوها :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، فيما مضى من الوقت ، آمنوا في حادث الوقت.
ويحتمل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) ، أي : اثبتوا عليه.
ويحتمل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتكم ، (آمَنُوا) بقلوبكم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة : ٤١].
__________________
(١) في ب : تمثيل.
(٢) لم أجده بهذا اللفظ ، ولكن أخرجه كل من ابن ماجه (٤ / ١٢) كتاب الأحكام : باب قضية الحاكم لا تحلّ حراما ولا تحرّم حلالا (٨ / ٢٣) ، وأحمد (٢ / ٣٣٢) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥) ، وأبو يعلى في مسنده (١٠ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧) (٥٩٢٠) بلفظ : «إنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ؛ فمن قطعت له من مال أخيه شيئا ـ فإنما أقطع له قطعة من النار» واللفظ لأبي يعلى.