ويحتمل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) عند رؤية البأس والعذاب ، (آمَنُوا) في الحقيقة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤].
ويحتمل وجها آخر : يا أيها الذين [آمنوا ببعض الرسل ، آمنوا](١) بالرسل كلهم كما آمن المؤمنون ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [البقرة : ١٣٦] ، وهم كانوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠].
ويحتمل : يا أيها الذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث ، آمنوا به إذا بعث ؛ لأنهم كانوا يؤمنون به قبل أن يبعث ، فلما بعث تركوا الإيمان به ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩].
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) يعني : محمدا صلىاللهعليهوسلم.
(وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ).
أي : آمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ).
أي : آمنوا ـ أيضا ـ بالكتب السماوية التي أنزلها الله ، تعالى.
ثم الإيمان بالله حقيقة ـ إيمان بجميع الرسل والكتب ؛ لأن كل نبي كان يدعو إلى الإيمان بجميع ذلك ، وكذلك في كل كتاب من الكتب السماوية دعاء إلى الإيمان بجملتهم ؛ ألا ترى أن الكفر بواحد منهم ـ كفر بالله وبجميع الرسل والكتب وما ذكر ، وبالله العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) الآية.
يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : ومن يكفر بجميع ما ذكر ؛ (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء : ١١٦] ، وهو على التأكيد.
ويحتمل : ومن يكفر بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر ؛ فقد كان ما ذكر ؛ لأن الكفر بواحد من ذلك كفر بالكل ، حتى لو أنكر آية من آيات الله ـ تعالى ـ كفر بالله ، وبالكتب وبالرسل كلها ، والله الموفق.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)(١٣٧)
__________________
(١) سقط من أ.