وقال بعضهم : ألم نخبركم بعورة محمد وأصحابه ونطلعكم على سرهم ، ونكتب به إليكم؟!.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : ألم نحط من وراءكم؟!.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «ألم نستحوذ عليكم ومنعناكم من المؤمنين؟!».
قال الكسائي : هذا في كلام العرب كثير ظاهر ، ومعنى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) ـ إنا استحوذنا ومنعناكم ، وهو ظريف.
وأصل الاستحواذ الغلبة والقهر ، وهو ما ذكرنا أنهم يجبنون أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يقولون : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) [آل عمران : ١٧٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)
وحكم الله بينهم ـ والله أعلم ـ هو أن ينزل المؤمنين الجنة ، والمنافقين النار.
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) في الحجة ؛ على ما ذكرنا ، وكذلك روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : قال : حجة (١). وقيل : ظهورا عليهم ، لكن الأول أشبه.
ويحتمل ما ذكرنا من الشهادة ـ أنه جعل يوم القيامة للمؤمنين الشهادة عليهم ، ولم يجعل لهم إلى دفعها وردها على (٢) أنفسهم سبيلا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(١٤٤)
وقوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ).
يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (يُخادِعُونَ اللهَ) ، أي : يخادعون أولياء الله أو دينه ، فأضيف إليه ؛ فهو جائز ، وفي القرآن كثير ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، أي : إن تنصروا دين الله أو أوليائه ينصركم ، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) ، أي : يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين ؛ فسمي : خداعا ـ وإن لم يكن في الحقيقة خداعا ؛ لأنه جزاء الخداع ، وهو كما سمى جزاء السيئة :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣٢٨) (١٠٧٢٠) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٦) وعزاه لابن جرير عن السدي ، وذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٩٢) ، ونسبه لابن عباس.
(٢) في ب : عن.