يحتمل : النهي عن ولايتهم ولاية الدين ، أي : لا تثقوا بهم ، ولا تصدقوهم ، ولا تأمنوهم في الدين ؛ فإنهم يريدون أن يصرفوكم عن دينكم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) الآية [آل عمران : ١٤٩].
ويحتمل : النهي عن اتخاذهم أولياء في أمر الدنيا ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً ...) الآية [آل عمران : ١١٨] ، نهي ـ عزوجل ـ المؤمنين أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره.
والثالث : في كل أمر ، أي : لا تصادقوهم ، ولا تجالسوهم ، ولا تأمنوهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً)
أي : تجعلون لله عليكم سلطانا مبينا.
قيل : عذرا مبينا (١).
وقيل : حجة بينة يحتج بها عليكم ، والله أعلم (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) فهو ـ والله أعلم ـ الإرادة ، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة ، وحرف الاستفهام من الله إيجاب ؛ فكأنه قال : قد جعلتم لله في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل ؛ إذ (٣) ذلك يكون ـ وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين ـ حجة ظاهرة في لزوم المقت.
وجائز أن تكون الإضافة إلى الله ترجع إلى أولياء الله ؛ نحو الأمر بنصر الله ، والقول بمخادعة الله ، وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء الله : أنهم لا يتخذون الشيطان [وليا ، و] أولياء : عبادة غير الله اتخذوه ، ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً)(١٤٧)
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣٣٧) (١٠٧٣٧) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٨) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣٣٧) (١٠٧٣٨ ـ ١٠٧٤٠) عن مجاهد ، وذكره بنحوه السيوطي في الدر (٢ / ٤١٨) ، وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.
(٣) في ب : أن.