وقيل : (شاكِراً) : يقبل اليسير من العمل ، ويعطي الجزيل من الثواب ، وذلك هو الوصف في الغاية من الكرم ، والله أعلم.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «ما يعبأ الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا لأعمالكم الحسنة عليما بها» (١) وهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) (١٤٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ).
اختلف في تأويله وتلاوته :
قال بعضهم : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) من الدعاء إلا من ظلم ؛ فإنه لا بأس أن يدعوا إذا كان مظلوما.
وقال آخرون : (الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) هو الشتم ؛ أخبر أنه لا يحب ذلك لأحد من الناس ، ثم استثنى إلا من ظلم واعتدي عليه ؛ فإن رد عليه مثل ذلك ، فلا حرج عليه. وكذلك قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : (الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) أن يشتم الرجل المسلم في وجهه ، إلا أن يشتمه فيرد كما قال ، وذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ، وإن يعفو فهو أفضل (٢).
وقرأ بعضهم (٣) : «إلا من ظلم» بالنصب ، فهو يحتمل : إلا من ظلم ؛ فإن له الجهر
__________________
(١) أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري (٣ / ٥٠٥) في أبواب البر والصلة باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك رقم (١٩٥٥) والإمام أحمد في المسند (٣ / ٣٢ ، ٧٣) وأبو يعلى برقم (١١٢٢) وعبد بن حميد (٨٤) والطبراني في الأوسط (٣٦٠٦) وقال الترمذي حسن صحيح.
(٢) ذكره ابن عادل في اللباب (٧ / ٩٩) ، ورواه بنحوه ابن جرير (٩ / ٣٤٤) ، رقم (١٠٧٤٩) ، عن ابن عباس ، ولفظه : «لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد ، إلا أن يكون مظلوما ؛ فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ، وذلك قوله (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ، وإن صبر فهو خير له».
(٣) والجمهور على أن «إلا من ظلم» : مبنيّا للمفعول. قال القرطبي : ويجوز إسكان اللام ، وقرأ جماعة كثيرة ، منهم : ابن عباس وابن عمر وابن جبير والضحاك وزيد بن أسلم والحسن : «ظلم» مبنيّا للفاعل ، وهو استثناء منقطع ؛ فهو في محل نصب على أصل الاستثناء المنقطع ، واختلفت عبارات العلماء في تقدير هذا الاستثناء ، وحاصل ذلك يرجع إلى أحد تقديرات ثلاثة :
إما أن يكون راجعا إلى الجملة الأولى ؛ كأنه قيل : لا يحب الله الجهر بالسوء ، لكن الظالم يحبه ؛ فهو يفعله.
وإما أن يكون راجعا إلى فاعل الجهر ، أي : لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء لأحد ، لكن الظالم يجهر به. وإما أن يكون راجعا إلى متعلق الجهر ، وهو : «من يجاهر ويواجه بالسوء» ، أي : لا يحب الله أن يجهر بالسوء لأحد ، لكن الظالم يجهر له به ، أي : يذكر ما فيه من المساوئ في وجهه ؛ لعله أن يرتدع ، وكون هذا المستثنى في هذه القراءة منصوب المحل ؛ على الانقطاع ـ هو الصحيح ، ـ