وفي قوله : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) دليل على أنه ليس في إباحة الشيء في حال ـ يوجب حظره في حال أخرى ؛ لأنه نهي عن الجهر بالسوء من القول ، ثم لم يدل ذلك على أنه لا ينهي عن ذلك في غير حال الجهر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً).
بجهر السوء ، (عَلِيماً) به.
ثم قال : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ).
يحتمل ـ والله أعلم ـ أن العفو والتجاوز خير عند الله من الانتصار ؛ فيحتمل (١) هذا وجهين :
يحتمل : أن يكون على الترغيب : رغبهم ـ عزوجل ـ بالعفو عن السوء والمظلمة ، فكما أنه يعفو عن خلقه ، ويتجاوز عنهم مع قدرته على الانتقام ـ فاعفوا أنتم عن ظالمكم أيضا ، وإن [أنتم](٢) قدرتم على الانتصار والانتقام منهم ، فيكون لكم بذلك عند الله الثواب.
ويحتمل : أن يأمرهم بالعفو عن مظالمهم ؛ ليعفو ـ عزوجل ـ عن مظالمهم التي فيما بينهم وبين ربهم ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) ـ والله أعلم ـ فإن الله ـ عزوجل ـ أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو صاحبكم المسىء إليكم.
وقال بعضهم : الله أجدر وأحرى أن يعفو عنك إذا عفوت عن أخيك في الدنيا ، وهو على ذلك أقدر.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١٥٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) يحتمل وجهين :
يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ ...) [أي : يريدون](٣) أن يفرقوا بين الله ورسله ؛ فيكون قوله : (يَكْفُرُونَ بِاللهِ) : في الدهرية ؛ لأنهم
__________________
(١) في ب : يحتمل.
(٢) سقط من ب.
(٣) سقط من ب.