[البقرة : ١٣٦] إلى آخر ما ذكر.
وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنا ، وهو قد آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد من رسله ؛ فدخل في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) وهم يقولون : لا يؤتيهم أجورهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
أخبر ـ عزوجل ـ أنه لم يزل غفورا رحيما ، وهم يقولون : لم يكن غفورا رحيما ولكن صار غفورا رحيما ، وبالله العصمة.
قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(١٥٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ).
قيل في أحد التأويلين : كان يريد كل أحد منهم أن يأتي إلى كل رجل منهم بكتاب (١) : أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً. كَلَّا) [المدثر : ٥٢ ، ٥٣] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣].
وقيل : سألوا أن يأتيهم بكتاب جملة مثل التوراة ؛ مثل قولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة (٢) ؛ لأنهم يقولون : إن هذا القرآن من اختراع محمد واختلاقه ؛ لأنه لو كان من عند الله نزل ، لنزل جملة كما نزلت التوراة جملة غير متفرقة ؛ فأخبر أنهم : (سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ، وقد سألوا محمدا صلىاللهعليهوسلم مثل سؤال أولئك موسى ، وهو قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١] يعزي ـ عزوجل ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم ويصبره على أذاهم ، يقول ـ والله أعلم ـ : إنهم سألوا آيات على رسالته ، فأتى بها ، فلم يؤمنوا به ، يخبر
__________________
(١) في ب : بكتابه.
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري (٩ / ٣٥٦) رقم (١٠٧٦٨) عن السدي ، وذكره في الدر المنثور (٢ / ٤٢٢) ، وعزاه لابن جرير عن السدي.