وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) يحتمل وجهين :
أنزله بالآيات والحجج ما يعلم أنها آيات الربوبية والحجج السماوية.
ويحتمل : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي : أنزله على علم منه بمن (١) يقبل ومن لا يقبل ، ليس كما يبعث ملوك الأرض بعضهم إلى بعض رسائل وهدايا لا يعلمون قبولها ولا ردها ، ولا علم لهم بمن يقبلها وبمن يردها ، ولو كان لهم بذلك علم ما أرسلوا الرسل ، ولا بعثوا الهدايا ؛ إذا علموا أنهم لا يقبلون ؛ فأخبر ـ عزوجل ـ أنه على علم منه أنزل بمن يقبل وبمن يرد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)
أي : شاهدا على ما ذكرنا من شهادته يوم القيامة على أحد التأويلين أنه أنزله.
ويحتمل قوله : (شَهِيداً) أي : مبينا ، أي : كفى بالله مبينا بالآيات والحجج.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : لما أنزل الله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) إلى قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ...) الآية (٢) [النساء : ١٦٢ ـ ١٦٥] ـ قالت قريش : من يشهد لك أن ما تقول حق ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) ، وأنزل (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) الآية [الأنعام : ١٩].
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(١٧٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)
أي : كفروا بآيات الله.
(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً)
أي : قد تاهوا وتحيروا تحيرا طويلا.
ويحتمل : (قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) أي : هلكوا هلاكا لا نجاة لهم ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع.
__________________
(١) في ب : ممن.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٩ / ٤٠٩) رقم (١٠٨٥٠) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٤٣٩) ، وزاد نسبته لابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس.