فهو (١) ما ذكرنا من صنيعهم في الجاهلية فيما ذكرنا ، وفيه دليل لقول أصحابنا ـ رحمهمالله ـ حيث قالوا : إن الغنم لا تقلد (٢) ، والإبل والبقر تقلد ؛ لأنه ذكر الهدي والقلائد ؛ فدل أن من الهدي ما يقلد ، ومنه ما لا يقلد.
(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ).
أي : قاصدين البيت الحرام.
(يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً).
قيل : إن المشركين كانوا يقصدون البيت الحرام يلتمسون (٣) فضل الله ورضوانه ؛ بما يصلح لهم دنياهم (٤) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة : ٢٠٠]. وقد يجوز أن يكونوا لما التمسوا عند أنفسهم رضوان الله ـ أمر الله المؤمنين بالكف عنهم ، وإن كانوا قد غلطوا في توجيه العبادة ؛ فجعلوها لغير الله ؛ كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].
__________________
ـ موجبه لم يورث عنه ونفذ لوجهه ؛ بخلاف الأضحية فإنها لا تجب إلا بالذبح خاصة عند مالك إلا أن يوجبها بالقول ؛ فإن أوجبها بالقول قبل الذبح فقال : جعلت هذه الشاة أضحية تعينت ؛ وعليه ؛ إن تلفت ثم وجدها أيام الذبح أو بعدها ذبحها ولم يجز له بيعها ؛ فإن كان اشترى أضحية غيرها ذبحهما جميعا في قول أحمد وإسحاق. وقال الشافعي : لا بدل عليه إذا ضلت أو سرقت ، إنما الإبدال في الواجب.
(١) في الأصول : وهو.
(٢) تقليد البهيمة : هو أن يجعل في عنقها ما يدل على أنها هدية إلى البيت ؛ فيترك التعرض لها من كل أحد ؛ تعظيما للبيت وما أهدى إليه. ولا خلاف في أن من السنة تقليد الهدى إن كان من الإبل أو البقر ، أما الغنم فقد اختلف في تقليدها :
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنها لا تقلد ، وليس تقليدها سنة ، قال الحنفية : لأنه غير معتاد ، ولأنه لا فائدة في تقليدها ؛ إذ فائدة التقليد عدم ضياع الهدى ، والغنم لا تترك ، بل يكون معها صاحبها. قال القرطبي : وكأنهم لم يبلغهم حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في تقليد الغنم ، ونصه : قالت : «أهدى النبي صلىاللهعليهوسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها» ، أو بلغهم ولكنهم ردوه ؛ لانفراد الأسود به عن عائشة.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يسن تقليدها أيضا ؛ للحديث السابق ، ولأنها هدى فتقلد ؛ كالإبل. وينص الحنفية على أنه ليست كل أنواع الهدى تقلد ؛ بل يقلد هدي التطوع وهدي التمتع والقرآن ؛ لأنه دم نسك ، وفي التقليد إظهاره وتشهيره ؛ فيليق به.
ينظر : تفسير القرطبي (٦ / ٤٠) ، وفتح القدير (٢ / ٤٠٧) ، (٣ / ٨٤) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٢ / ٨٩) ، والمغني (٣ / ٥٤٩) ، والجمل على المنهج (٢ / ٤٦٦).
(٣) في ب : فيلتمسون.
(٤) قاله قتادة ، أخرجه عنه عبد الرزاق في التفسير (١ / ١٨٢) ، وعنه الطبري (٩ / ٤٨٠) ، رقم (١٠٩٧٩) ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٥١).