قال بعضهم : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) : أي : غير متعمّد لإثم ، وهو قول ابن عباس.
وقال الكسائي : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) : غير متمايل ، والجنف : الميل ، وكذلك قال القتبي.
وقال أبو عوسجة ـ أيضا ـ : الجنف : الميل.
ثم قوله : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) يحتمل وجهين :
قيل : غير مستحل أكل الميتة في حال الاضطرار ، وحرم عليه التناول من الصيد.
وقيل : غير متلذذ ولا مشته ، يتناول على التكره منه ، لا على التلذذ والشهوة.
وقيل ـ أيضا ـ : إنه لا يتناول إلا في حال الاضطرار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) [البقرة : ١٧٣] ، وقوله ـ عزوجل ـ (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) تفسير قوله : (اضْطُرَّ) ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي : من رحمته أن جعل لكم التناول من المحرم ، ورخص لكم ؛ إذ له أن يترككم تموتون جوعا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...) الآية [النساء : ٦٦].
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) :
ليس في السؤال بيان : مم كان سؤالهم؟ ولكن في الجواب بيان المراد من سؤالهم ، فقال : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ؛ دل قوله ـ تعالى ـ : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) : [أن سؤالهم كان عن الطيبات ، مما يصطاد من الجوارح.
ثم اختلف في قوله ـ تعالى ـ : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)](١) :
قال بعضهم : (الطَّيِّباتُ) : هن المحللات ، لكنه بعيد ؛ لأنه كأنه قال : «أحل لكم المحللات» ؛ على هذا التأويل. لكنه يحتمل وجهين غير هذا :
أحدهما : أن أحل لكم بأسباب تطيب بها أنفسكم من نحو : الذبح (٢) ، والطبخ ،
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) في أ : الذبائح.