فكف الله ـ تعالى ـ أيديهم عنهم بالمنع» (١).
وقيل : نزلت في اليهود : دخل النبي صلىاللهعليهوسلم حائطا لهم في النخل ، وأصحابه وراء الجدار ، واستعانهم في مغرم دية غرمها ، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي القهقرى معترضا ينظر من خيفتهم ، ثم دعا أصحابه إليه رجلا رجلا ، حتى تناهوا إليه (٢). فلا ندري كيفما كانت القصّة؟ وليس لنا إلى معرفة القصّة حاجة بعد أن نعرف منة الله ـ تعالى ـ التي من علينا بكف الأعداء عنهم ، ونشكر له على ذلك.
وفي هذه الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر عما كان منهم من غير أن يشهد (٣) ذلك ؛ ليعلم أنه بالله علم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
أي : على الله يكل المؤمن في كل أمره ، وبه يثق.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(١٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(٤)
__________________
(١) أخرج الطبري (٤ / ٤٨٧) ، رقم (١١٥٦٧) ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٤٧١) من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : «إن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه طعاما ؛ ليقتلوه ؛ فأوحي الله إليه بشأنهم ؛ فلم يأت الطعام ، وأمر الصحابة فلم يأتوه.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٤٨٥) ، رقم (١١٥٦٢) وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ٤٧٠).
(٣) في ب : شهد.
(٤) قال القرطبي (٦ / ٧٥) : ففي الآية دليل على قبول خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء ويحتاج إلى اطلاعه من حاجاته الريفية والدنيوية ؛ فتركب عليه الأحكام ، ويرتبط به الحلال والحرام.
وفيها أيضا دليل على اتخاذ الجاسوس ـ والتجسس : التبحث ـ وقد بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسبسة عينا. أخرجه مسلم.