السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية [النور : ٣٥] ، أي : به يتضح كل شيء على ما هو عليه في الحقيقة ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ)
يحتمل قوله : (يَهْدِي بِهِ اللهُ) ، أي : بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ويحتمل : بالقرآن ، أي : به يهدى الله (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) ، يحتمل : رضاه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سُبُلَ السَّلامِ)
السلام : قيل : هو الله (١) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) [الحشر : ٢٣] ، أي : به يهدي سبل السلام ، سمي سبلا ؛ لأن سبيل الله ـ وإن كان كثيرا في الظاهر ـ فهو في الحقيقة واحد ، وسمي سبل الشيطان سبلا وقال : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ...) الآية [الأنعام : ١٥٣] ؛ لأن سبله متفرقة مختلفة ، ليست ترجع إلى واحد ، وأما سبل الله ـ وإن كانت سبلا في الظاهر ـ فهي (٢) ترجع إلى واحد ، وهو الهدى والصراط (٣) المستقيم.
قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ)
كفروا كفر مكابرة ومعاندة ، لا كفر شبهة وجهل ؛ لأنهم أقروا أنه ابن مريم ، ثم يقولون : إنه إله ، فإذا كان هو ابن مريم وأمّه أكبر منه ؛ فمن البعيد أن يكون من هو أصغر منه إلها لمن هو أكبر منه وربا ؛ وإلا الكفر قد يكون بدون ذلك القول ، لكن التأويل هو ما ذكرنا : أنهم كفروا كفر معاندة ومكابرة مع إقرارهم أنه ابن مريم ؛ حيث جعلوا الأصغر إله الأكبر وربّا له.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٤ / ٥٠٣) عن السدي قال : «سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه ، وابتعث به رسله ، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به ، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية.
(٢) في الأصول : فهو.
(٣) في ب : والطريق.