الأرض ، وعجز عن غلبة أهلها وقهرهم وجعلهم تحت يديه ـ فرأي (١) هؤلاء ألا يقدرون على ذلك مع ضعفهم في أنفسهم ، وقلة عددهم ؛ وقصور أسبابهم ؛ لذلك امتنعوا عن الدخول فيها إلا بعد خروج من فيها من الجبارين عنها ؛ خوفا منهم على أنفسهم ، لكن موسى ـ عليهالسلام ـ كان وعد لهم الفتح والنصرة مع ضعفهم وقلة عددهم ، إذا دخلوا فيها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) اختلف في الرجلين اللذين قالا ذلك لهم :
قال قائلون : كان ذانك الرجلان من أولئك الذين بعثهم موسى ـ على نبينا وعليه الصلاة والسلام ـ إلى أهل تلك الأرض ، وأمرهم بالدخول فيها ، وهما ممن قد أنعم الله عليهما من تصديق ما وعد لهم موسى من الفتح والنصرة (٢) ، فقال : (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) صدقوا موسى بما وعد لهم من الفتح (٣).
وقال قائلون : كان ذانك الرجلان اللذان قالا ذلك لهم هما من أهل تلك الأرض ؛ لأنهم إذ (٤) سمعوا أن موسى قصد نحوهم خافوا من ذلك ؛ فذلك معنى قوله : (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالإسلام ؛ فقالا : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) ؛ لما علموا من خوف أهلها من موسى ومن معه وفزعهم (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
أي : مصدقين بوعد موسى بالفتح لكم والنصر.
ويحتمل : وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مسلمين ؛ فإن كل من توكل على الله ووثق به ، نصره الله ، وجعله غالبا على عدوه ، والله أعلم.
وقوله : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) : كأن المراد من الباب ليس نفس الباب ؛ ولكن جهة
__________________
(١) في الأصول : رأوا.
(٢) في ب : النصر.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥١٧) ، رقم (١١٦٧١) ، وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٧٩) ، وقاله أيضا ـ مجاهد ، أخرجه عنه الطبري (١١٦٦٧) وما بعده ، وقاله كذلك السدي ، أخرجه الطبري (١١٦٧٢) ، والرجلان هما : «يوشع بن نون» ، و «كالب بن يوفنا».
(٤) في الأصول : إذا.
(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥١٨) ، رقم (١١٦٧٩) ، وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٧٩) ، وقاله سعيد بن جبير ، أخرجه عنه ابن المنذر ، كما في الدر (٢ / ٤٨٠). قال الطبري : إجماع الحجة في تأويلها على أنهما رجلان من أصحاب موسى من بني إسرائيل وأنهما يوشع وكالب.