وقال قائلون : قوله تعالى : (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) : أي : التوبة محرمة عليهم ، لن يتوبوا أبدا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) : فالمدة هاهنا للتيه ـ والله أعلم ـ لا لقوله تعالى : (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ).
ثم اختلف في التيه : قال قائلون : لم يكن موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ معهم في التيه ؛ لأن ذلك لهم من الله كان عقوبة ، ولا يحتمل أن يكون الله ـ عزوجل ـ يعذب رسوله بذنب قومه ؛ لأنه لم يعذب قوما بتكذيب الرسول قط إلا من بعد ما أخرج الرسول من بين أظهرهم ؛ فعلى ذلك لا يحتمل أن يكون موسى يعذب بعصيان قومه ، والله أعلم (١).
وقال آخرون : كان موسى معهم في تلك الأرض مقيما فيها ، ولكن الحيرة والتيه كانت لقومه ، قيل : كانوا يرتحلون ثم ينزلون من حيث أصبحوا أربعين سنة ، وكان ماؤهم في الحجر الذي كان مع موسى ـ عليهالسلام ـ فكان إذا نزل [ضربه](٢) موسى بعصاه (٣) ، (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] ، لكل سبط عين ، ولم يكن حل بموسى مما كان حل بقومه قليل ولا كثير ؛ إنما أمر بالمقام فيها ؛ فأقام من غير أن كان به حيرة (٤).
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(٣٢)
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي (١١ / ١٥٩).
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : بعصا.
(٤) قاله بنحوه الربيع بن أنس ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٢٣) ، رقم (١١٦٩٣). وقال الرازي : وقال آخرون : إنهما كانا مع القوم في ذلك التيه إلا أنه ـ تعالى ـ سهل عليهما ذلك العذاب كما سهل النار على إبراهيم فجعلها بردا وسلاما. ينظر : مفاتيح الغيب (١١ / ١٥٩).