في الآية تصبير (١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم على تكذيب الكفرة (٢) إيّاه ، وأنه ليس بأول مكذّب في الحق ، بل كانت الرسل من قبل يكذّبون فيما يأتون من الآيات والحجج والبيان.
قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ...)(٣) الآية
قال بعضهم : الآية نزلت في أهل الكفر ، وبيان الحكم فيهم ؛ وهو قول الحسن (٤) وأبي بكر الأصم ، وقالا : لأن الله ـ عزوجل ـ ذكر محاربة الله ورسوله ، وذكر السعي في الأرض بالفساد ، وكل كافر قد حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض بالفساد ـ فللإمام أن يقتلهم بأي أنواع القتل شاء ، ما دام الحرب فيما بينهم قائما ، فإذا أثخنوا في الأرض ـ بترك ذلك ـ يمنّ الله عليهم إن شاء.
وأما المسلم إذا قطع الطريق : فإنه لا يقال : إنه حارب الله ورسوله ؛ فدل أنها نزلت في أهل الكفر ؛ للكفر ، لا لقطع الطريق.
وقال آخرون : نزلت في المشركين إذا قطعوا الطريق فأما المسلمون إذا قطعوا الطريق ،
__________________
(١) في أ : قلة تصبر.
(٢) في أ : الكفرة الفجرة.
(٣) قال القرطبي (٦ / ٩٩) : اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة ؛ فقال مالك : المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو برية ، وكابرهم عن أنفسهم ، وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة ؛ قال ابن المنذر : اختلف عن مالك في هذه المسألة ، فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفى ذلك مرة ؛ وقالت طائفة : حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق وديار أهل البادية والقرى سواء وحدودهم واحدة ؛ وهذا قول الشافعي وأبي ثور ؛ قال ابن المنذر : كذلك هو لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة ، والكتاب على العموم ، وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجة. وقالت طائفة : لا تكون المحاربة في المصر إنما تكون خارجا عن المصر ؛ هذا قول سفيان الثوري وإسحاق والنعمان. والمغتال كالمحارب وهو الذي يحتال في قتل إنسان على أخذ ماله ، وإن لم يشهر السلاح لكن دخل عليه بيته أو صحبه في سفر فأطعمه سمّا فقتله فيقتل حدّا لا قودا.
وقال أيضا (٦ / ١٠٢) : وأجمع أهل العلم على أن السلطان وليّ من حارب ، فإن قتل محارب أخا امرئ أو أباه في حال المحاربة ؛ فليس إلى طالب الدم من أمر المحارب شيء ولا يجوز عفو وليّ الدم ، والقائم بذلك الإمام ، جعلوا ذلك بمنزلة حد من حدود الله تعالى.
(٤) ينظر : اللباب (٧ / ٣١١).