مِنْهُمْ) ، ولا ينفعهم ذلك ، يذكر هذا ـ والله أعلم ـ ليصرفوا أنفسهم عن معاصى الله ، والخلاف له بأدنى شيء يطلبون من الأموال والشهوات ، وأخبر أنه لو كان لهم ما في الأرض ومثله معه ليفتدوا (١) بعذاب يوم القيامة ، ما نفعهم ذلك ، وما تقبل منهم.
والحكمة في ذكر هذا ـ والله أعلم ـ ليعلموا أن الآخرة ليست بدار تقبل فيها الرشا كما تقبل في الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)
دل هذا على أن من العذاب ما لا ألم فيه من نحو الحبس والقيد ، فأخبر أن عذاب الآخرة أليم كله ، ليس كعذاب الدنيا : منه ما يكون ، أليما ومنه ما لا يكون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها ...) الآية يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) : أي : يطلبون ويسألون الخروج منها من غير عمل الخروج نفسه.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) ولكن يريدون ويعادون إلى مكانهم (٢) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) [السجدة : ٢٠] أي : يجتهدون في الخروج منها (أُعِيدُوا فِيها) ؛ فيه دليل أنهم يعملون عمل الخروج ؛ ولكن يردون ويعادون فيها.
قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤٠)
وقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ...) الآية
عام في السراق ، خاص في السرقة (٣) ؛ لأنه يدخل جميع أهل الخطاب في ذلك ، وإن
__________________
(١) في الأصول : لافتدوا.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١١ / ١٧٥).
(٣) هي بفتح السين وكسر الراء ، ويجوز إسكان الراء مع فتح السين وكسرها ، يقال : سرق ـ بفتح الراء ـ يسرق ـ بكسرها ـ سرقا وسرقة ، فهو سارق ، والشيء مسروق ، وصاحبه مسروق منه. والسّرقة اسم مصدر من سرق ، يقال : سرقا في المصادر ، وسرقة في اسمه. فهي لغة : أخذ الشيء من الغير خفية ؛ أي شيء كان.
واصطلاحا :
عرفها الشافعية : أخذ المال خفية ظلما من حرز مثله بشروط. ـ