جحودا منه وإنكارا ، وما ذكر من الظلم والفسق ذلك في المسلمين ؛ لأنه قال : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ...) إلى آخر ما ذكر ، ثم قال : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، ثم قال : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) تركوا الحكم بما أنزل الله ؛ اتباعا لأهوائهم (١) لا جحودا ، فقد ظلموا أنفسهم ؛ لأن الظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه ، والفسق : هو الخروج عن الأمر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] ، أي : خرج.
ثم يجىء أن يكون هذا في حال الجهل به والعلم سواء ؛ لأنه إذا لم يحكم بما أنزل الله فقد وضع الشيء في غير موضعه ، وخرج عن أمر ربه ، لكن هذا في القول يقبح أن يقال : هو ظالم فاسق ، وهو ما يفعل ، إنما يفعل عن جهل به ، يجوز أن يقال : فعله فعل ظلم وفسق ، وأما في القول : فهو قبيح ؛ لما ذكرنا.
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) : من الأحكام أي حكم كان ، فهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(٥٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ).
قوله : (بِالْحَقِ) قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)
قد ذكرناه ، أيضا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : مؤتمنا عليه (٢).
__________________
(١) في ب : لهواهم.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور (٤ / ١٤٩٨) ، رقم (٧٦٣) ، والطبري (٤ / ٦٠٦) ، رقم (١٢١١٣) وما بعده ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (١ / ١١٧) ، والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي ـ