يدوم ، وأما في الآخرة : فإنهم يعذبون بجميع ذنوبهم ؛ لأن عذاب الآخرة دائم ؛ فهو عذاب بجميع الذنوب ، وعذاب الدنيا زائل ؛ فهو عذاب ببعض الذنوب ، والله أعلم (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
قال بعضهم : هذا صلة قوله : (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) ؛ فقال الله ـ عزوجل ـ : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
وقال آخرون : روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : فحكمهم في الجاهلية يبغون عندك يا محمد في القرآن (٢). يعني : بني النضير (٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) [المائدة : ٥٠].
أي : لا أحد أحسن من الله حكما ، على إقرارهم أن الله إذا حكم لا يحكم إلا بالعدل.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ)(٥٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).
يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) وجوها :
يحتمل : لا تتخذوا أولياء في الدين ، أي : لا تدينوا بدينهم ؛ فإنكم إذا دنتم بدينهم صرتم أولياءهم.
ويحتمل : لا تتخذوهم أولياء في النصر والمعونة ؛ لأنهم إذا اتخذوهم أولياء في النصر والمعونة صاروا أمثالهم ؛ لأنهم إذا نصروا الكفار على المسلمين وأعانوهم فقد كفروا ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ...) الآية [آل عمران : ١١٨] نهاهم أن يتخذوا أولئك موضع سرهم وخفياتهم ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي (١٢ / ١٤) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٦ / ١٣٩). ولفظ القرطبي : «أي يعذبهم بالجلاء والجزية والقتل ، وكذلك كان ، وإنما قال : «ببعض» ؛ لأن المجازاة بالبعض كانت كافية في التدمير عليهم».
(٢) في أ : الجاهلية.
(٣) تقدم عن ابن عباس نحوه.