والثالث : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) في المكسب (١) والدنيا ؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك لا بد من أن يميلوا إليهم ، ويصدروا عن رأيهم في شيء ؛ فذلك مما يفسقهم ، ويجرح شهادتهم ، فهذا النهي يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم.
وفي الآية دلالة أن الكفر كله ملة واحدة ، وإن اختلفت (٢) مذاهبهم ونحلهم ؛ فالواجب أن يرث بعضهم بعضا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) كما أن أهل الإسلام يرث بعضهم بعضا ، وإن اختلفت مذاهبهم ؛ ألا ترى أنه قال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] الآية؟! وليس ذلك بداخل في قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتوارث أهل ملّتين» (٣) ؛ لما عليه الآية : أنهم كلهم ملة واحدة ، ولكن أحدا منهم لا يرث المسلم ولا يرثهم المسلم ؛ لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتوارث أهل ملّتين» ؛ فالإسلام ملة : ملة حق ، والكفر ملة : ملة باطل ، ولا نرثهم ولا يرثوننا ، وما روي : «لا نرث أهل الكتاب ، ولا يرثوننا إلّا أن يرث الرّجل عبده أو أمته ، ويحلّ لنا نساؤهم ولا يحلّ لهم نساؤنا» (٤) فما يرث عبده أو أمته ، ليس بميراث ؛ إنما هو ملك كان يملكه قبل موته ؛ فعلى ذلك بعد موته ، وروي [عن النبي صلىاللهعليهوسلم :](٥) «لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم» (٦).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
يحتمل قوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الوجوه التي ذكرنا : الولاية في الدين ، والولاية في النصر والمعونة ؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك صاروا منهم في حكم الدنيا والآخرة ، أو الولاية في المكسب والدنيا ؛ فيصيرون منهم في حكم الدنيا ، والله أعلم.
فإن قيل : أليس يرث المسلم المرتد ، وقد قال : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) : أخبر أن
__________________
(١) في أ : الكسب.
(٢) في ب : اختلف.
(٣) أخرجه الترمذي في سننه (٣ / ٦١١) في باب لا يتوارث أهل ملتين (٢١٠٨) ، وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى. والدارقطني في سننه (٤ / ٧٥) ، والدارمي (٢ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠) في الفرائض : باب في ميراث أهل الشرك وأهل الإسلام من طريق الحسن عن جابر بلفظ مختلف.
(٤) أخرجه الدارمي (٢ / ٣٦٩ ، ٣٧٠) ، والطبراني في الأوسط (٨ / ٣٧٤) ، رقم (٨٩١٦) ، والدار قطني (٤ / ٧٥) ، والبيهقي (٦ / ٢١٨) ، من طريق الحسن عن جابر مرفوعا : «لا نرث أهل الكتاب ولا يرثونا ، إلا أن يرث الرجل عبده أو أمته ، وننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا» ، وهذا لفظ الطبراني والدار قطني ، ورجاله ثقات ، قاله الهيثمي في المجمع (٤ / ٢٢٦).
(٥) في ب : عنه ، عليهالسلام.
(٦) أخرجه البخاري (١٢ / ٥٠) كتاب الفرائض : باب لا يرث المسلم الكافر (٦٧٦٤) ، ومسلم (٣ / ١٢٣٣) كتاب الفرائض (١ / ١٦١٤).