والخنزير ، وهو أقبح جوهر في الطبع والعقل وأوسخه ، ومن (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) يعنى : الشيطان (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) في الدنيا ؛ لما حول جوهرهم إلى أقبح جوهر في الأرض ـ من الذين لم يحول جوهرهم إلى ذلك ؛ إذ لم يروا أحدا من المؤمنين حوّل جوهره إلى جوهر من ذكر ، وقد رأوا كثيرا من أوائلهم قد حولوا من جوهرهم إلى هذه الجواهر المستقبحة في الطبع المؤذية. أو يكون على الإضمار على أثر أمر كان ونحن لم نعلم به ؛ فنزل عند ذلك.
وعن الحسن قال : قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) : الذين لعنهم الله ، والذين غضب عليهم ، والذين عبدوا الطاغوت ، والذين جعل منهم القردة والخنازير : منهم من جعله (١) قردة ، ومنهم من أبقى على جوهره الذي كان ، (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) في الدنيا والآخرة.
(وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ).
أي : أخطأ طريقا ودينا ، والله أعلم بالقصة.
قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ)(٦١)
قيل : إن الآية في اليهود (٢).
وقيل : إنها في المنافقين (٣).
وهي في المنافقين أشبه ؛ ذكر أنهم كانوا يدخلون على النبي صلىاللهعليهوسلم ويظهرون الموافقة [له](٤) ، ويخبرونه أنهم يجدون نعته وصفته في كتبهم ، ويضمرون الخلاف له في السر وهزءوا به ؛ فقال عند ذلك : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) : أخبر ـ عزوجل ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم : أنهم دخلوا بالكفر ؛ لأنهم يقولون ذلك استهزاء ، وعلى ذلك خرجوا ؛ ففيه دلالة إثبات رسالة [سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم](٥) ؛ لأنه أخبر عما أضمروا ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالذي يعلم الغيب ، مع علمهم أنه لا يعلمه إلا الله ، والله أعلم بما كانوا يكتمون ويضمرون من الكفر والهزء.
__________________
(١) في ب : جعل.
(٢) أخرجه ابن جرير (٤ / ٦٣٦) ، (١٢٢٣٤) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه ابن جرير (٤ / ٦٣٦) ، (١٢٢٣٥) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٥٢٤).
(٤) سقط من ب.
(٥) في ب : رسول الله.