قوله تعالى : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٦٢) الآية.
يحتمل أن يكون قوله : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) : من ملوكهم وعوامهم.
(يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) ، أي : في قول الكفر والعدوان ، والعدوان : هو المجاوزة عن الحد الذي حد لهم ، ويسارعون ـ أيضا ـ في أكل السحت والسحت ، قيل : هو كل محرم ، وقيل : هو الرشوة في الحكم (١) ، وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : الرشوة : هي الكفر ، وأما السحت : هو أن يرفع حاجة أخيه إلى السلطان فيأكل عنده ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
ثم قال على أثر ذلك : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ)(٦٣)
عاتب الله ـ عزوجل ـ الربانيين والأحبار عن تركهم نهي أولئك عن صنيعهم ، وأشركهم في الإثم شرعا سواء ؛ ليعلموا أن العامل بالإثم والمعصية والراضي به والتارك النهي عن ذلك ـ سواء ، وفيه دلالة أن تارك النهي عن المنكر يلحقه من الإثم ما يلحق الفاعل به.
والربانيون والأحبار قد ذكرنا فيما تقدم.
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ)(٦٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ...) [الآية](٢).
قال الحسن : [قول اليهود](٣) : «يد الله مغلولة» ، أي : محبوسة ممنوعة عن
__________________
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٤ / ٦٣٨) ، والبغوي في تفسيره (٢ / ٤٩) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٥٣٢).
(٢) سقط من ب.
(٣) في أ : قوله تعالى.