الصوامع ؛ فيترهبوا فيها ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فأتى منزل عثمان فلم يجدهم فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لامرأة عثمان : «أحقّ ما بلغنى عن عثمان وأصحابه؟» قالت : ما هو يا رسول الله؟ فأخبرها النبي صلىاللهعليهوسلم بالذي بلغه ، فكرهت أن تكذب النبي صلىاللهعليهوسلم أو تبدي على زوجها ؛ فقالت : إن كان عثمان أخبرك فقد صدقك ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قولي لزوجك إذا جاء : إنّه ليس منّا من لم يستنّ بسنّتنا ويأكل ذبيحتنا» (١) ، فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرته امرأته بقول النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال عثمان : والله لقد بلغ النبي أمرنا فما أعجبه ؛ فذروا (٢) الذي كره ؛ فأنزل الله : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ...) الآية ، فلا ندري كيف كانت القصة؟ ولكن فيه بيان ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) :
يحتمل أن يكون الحلال هو الطيب ، والطيب هو الحلال ؛ سماهما باسمين وهما واحد.
ويحتمل : أن يكون قوله : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً) : بالشريعة والدين ، [والله أعلم](٣).
(طَيِّباً) : بالطبيعة ؛ لأن الحل والحرمة معرفتهما بالشريعة ، والطيب ما تستطيب به الطبائع.
وفي الآية [دليل](٤) أنه قد يرزق ما هو خبيث ليس بطيب ؛ لأنه لو لم يرزق لم يكن لشرط الحلال والطيب معنى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)
في الآية دلالة أن الخطاب للمؤمنين ؛ لأنه قال : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) ولم يقل : «إن كنتم مؤمنين» ونحو هذا ، قد سماهم مؤمنين مطلقا ؛ دل أنه يجوز أن يسمى (وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تحرموا ما أحل الله لكم ، (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أنه لا يحل ولا يحرم إلا هو ، وليس إلى من دونه تحليل وتحريم.
قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢٣٥١) عن ابن عباس ، وبرقم (١٢٣٥٢) عن مجاهد بنحوه. وينظر : الدر المنثور (٢ / ٥٤٤ ـ ٥٤٨). وقد روي نحو هذا عن أنس بن مالك ، أخرجه البخاري (٥٠٦٣) ، ومسلم (٥ / ١٤٠١).
(٢) في ب : قدروا.
(٣) سقط من ب.
(٤) سقط من ب.